فؤاد مطر
أحد كتّاب الرأي والتحليل السياسي في «الشرق الأوسط» ومجلة «المجلة» منذ العام 1990 وقبلها عمل صحافياً وكاتباً في «النهار» اللبنانية و«الأهرام». نشر مجلة «التضامن» في لندن وله 34 مؤلفاً حول مصر والسودان والعراق والسعودية من بينها عملان موسوعيان توثيقيان هما «لبنان اللعبة واللاعبون والمتلاعبون» و«موسوعة حرب الخليج». وثَّق سيرته الذاتية في كتاب «هذا نصيبي من الدنيا». وكتب السيرة الذاتية للرئيس صدَّام حسين والدكتور جورج حبش.
TT

فرصة مثالية لإعادة النظر

هنالك عند ارتكاب أكبر الأخطاء من جانب دولة في حق أُخرى فرصة مثالية للتأمل، خصوصاً إذا جاءت من جانب معتدٍ ودون وجه حق على دولة تجمعهما إلى روابط الجوار أنهما من الدين الواحد، فضلاً عن أن العائد الأساسي لكل منهما هو من الثروة النفطية الأمر الذي يوجب أخْذ المسألة في الاعتبار.
ما نعنيه بفرصة التأمل هو التمعن في التعاطف القاري مع المملكة العربية السعودية، ذلك أن معظم دول القارات الخمس استهجنت الفعل العدواني وذهب كثيرون إلى أبعد مما هو استهجان فكانت التصريحات العفوية المتعاطفة من هذا المسؤول أو ذاك في أكثرية دول لم ير فيها المسؤولون سوى أن الفعل العدواني الذي استهدف منطقة نفطية هو فعْل يكون طبيعياً ومألوفاً إذا جاء من تنظيم إرهابي، أما عندما يأتي بترتيب متقن فإنه يصبح مشروع حرب من طرف واحد، يستهدف بما فعل استدراج الطرف الآخر إلى الرد بالمثل وبذلك يدخل وسطاء الخير طرفاً ثالثاً ثم يتقرر إنهاء العزلة الدولية المفروضة على البادئ بالفعل العدواني.
على رغم فداحة الفعل العدواني ونزقه ومدى استهتار النظام الإيراني لم تحقق المملكة العربية السعودية للنظام الإيراني، صانع الفعل إياه، ما يرمي إليه. تصرفت التصرف المسؤول وحاولت بتصرفها المسؤول هذا تنبيه الجار المسلم المعتدي إلى استحضار قول الرسول (ص) «أحِبّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً».
يستغرب المرء هذا الجنوح من جانب النظام الإيراني نحو معاداة الأمة العربية في شخص المملكة العربية السعودية متوهماً أن عملية عدوانية من النوع الذي استهدف محطات نفطية لشركة «أرامكو» ستجعل الدول الكبرى ومعها عشرات الدول ذات الصلة بها تعيد النظر في مواقفها من النظام الذي اعتدى دون وجه حق.
لكن ما حدث هو مسارعة هذه الدول إلى الالتفاف حول المملكة العربية السعودية، وإطلاق إشارات مرفقة بقرارات عقابية، تتضمن ما معناه أن النفط ثروة لأصحاب الأرض ومصدر دعم للفلسطيني الصامد واللبناني والسوداني والسوري واليمني والمصري والموريتاني والأردني والعراقي والتونسي والجزائري والمغربي والجيبوتي ولكل مسلم أصابته مصيبة مجاعة أو زلزال أو فيضان أو أرادت حكومته إنشاء جامعة أو طلبت جمعية دعماً لتشييد جامع، لكنه أيضاً حق مشروع لدول العالم ما دامت تستعمل هذا النفط، وكيف أنه العنصر الأهم في التنمية. ولأنه كذلك فإن عشرات الدول سارعت إلى إبداء الموقف المتفهم للسعودية الداعم لها في الوقت نفسه.
في المقابل، ورغم ادعاء النظام الإيراني أن ليس هو من نفَّذ الاعتداء، لم تبادر أي دولة لإبداء الاقتناع بادعائها. كما أن أي دولة لم تقتنع بأنه إذا كان النظام الإيراني متمثلاً في ذراعه اليمنى عسكرياً وذراعه اليسرى مالياً، ونعني بذلك الحرس الثوري الذي هو قرة عين علي خامنئي، ليس هو مَن نفَّذ العمل العدواني، فهذا لا يعني أنه ليس هو مَن جنَّد ودرَّب ورسم خريطة التنفيذ وحدّد ساعة الصفر وقاعدة الإطلاق التي ليتها لم تتم.
أما وقد حدثت، ثم هذا هو مشهد رد الفعل بتنوع فصوله، فإن ثمة فرصة أمام النظام الإيراني للتأمل، على أمل قراءة الواقع الإقليمي وعمقه الدولي بكثير من التأني، واعتبار ما جرى وما تفعله أعماقه اليمنية واللبنانية والعراقية أنها نزوات آن الأوان لطي صفحتها والانصراف إلى بناء دولة يعنيها شعبها المطمئن، كما طمأنينة دولة مثل الإمارات ودولة مثل البحرين، ناهيك عن السعودية الدولة الحاضنة للجمع الخليجي الشامل، وهي دولة قوية في حرصها على بناء علاقات سوية مع دول العالم وحريصة كل الحرص على رفاهية شعوبها وتؤسس بثروة النفط لمستقبل تنعم الأجيال به بالطمأنينة والاستقرار. ولأنها كذلك فإنها قادرة على حماية نفسها بما تملك من أسباب القوة، واصطفاف العالم وراءها.
الفرصة الآن مثالية. وثمة مثل شعبي فارسي يقول: «شجاعة بلا حذر حصان أعمى». عسى ولعل تُزال الغشاوة باليد وليس بعمل عسكري دولي.