طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

المرأة.. ومن الحب ما قتل

هل من الممكن أن يتم تقييم مهرجان بعدد الأفلام النسائية، أقصد التي أخرجتها نساء؟ إذا زاد العدد مثلما حدث في «برلين» في شهر فبراير (شباط) الماضي حيث اقترب الرقم من التساوي بين المخرجين والمخرجات في المسابقة الرسمية، يصبح المهرجان يمتلك رحابة في الرؤية، وإذا تضاءل مثلما تابعنا مؤخراً في مهرجان «فينيسيا»، الذي أسدل ستائره الأسبوع الماضي، يتهم المهرجان بمعاداة النساء، وما يقال في الفن يصدق أيضاً في السياسة، البعض يحدد موقفه المبدئي من التوجه السياسي للدول بعدد النساء اللاتي حصلن على الحقائب الوزارية رغم أن الفيصل هو الإنجاز.
في عالمنا العربي يجب أن نعترف بأن لدينا تاريخاً من الإجحاف في حق النساء، ولهذا تتدخل السلطة السياسية لتعيين عدد من النساء لزيادة تمثيل المرأة في المجالس النيابية، والتي نطلق عليها «الكوتة»، مرحلياً هناك مبرر لذلك، ولا تنسَ أن لدينا أيضاً نساء يخضن الانتخابات النيابية، ويحصلن على أصوات أعلى من الرجال.
الأمر في الإبداع بمختلف أبعاده وأنماطه وأطيافه يجب أن ننأى به تماماً عن تلك القسمة القسرية، والدليل الملموس أن أكثر الأسماء التي ترددت في السنوات الأخيرة على الصعيد العالمي بين المخرجين العرب هما نادين لبكي من لبنان، وهيفاء المنصور من المملكة العربية السعودية، لم تنحز إليهما المهرجانات العالمية لكونهما امرأتين، ولا حتى لجنسيتهما العربية، الإبداع فقط كان هو الطريق لتحقيق تلك المكانة.
في العالم كله وليس فقط العربي، كثيراً ما تعلن المرأة الغضب أو ترفع شعار المقاطعة لعدد من التظاهرت الفنية لعدم وجود المرأة بكثافة، وأحياناً يأتي رد الفعل لامتصاص الغضب متسرعاً، مثلما فعلت «أكاديمية الفنون والعلوم الأميركية» عندما اشتكت النساء بسبب ندرة عدد المخرجات اللاتي يتم ترشيحهن لجائزة «الأوسكار»، فقررت الأكاديمية زيادة نسبة وجود النساء من أعضاء الأكاديمية ليحق لهم التصويت، مثلما حدث أيضاً مع الملونين والعرب، هل العربي مثلاً في الأوسكار يصوت بالضرورة للعربي، والمرأة تمنح صوتها للمرأة، لو صح ذلك لصرنا بصدد نتائج كارثية.
تنتشر في العالم مهرجانات تحمل اسم المرأة، ولدينا في عالمنا العربي الكثير منها، وفي مصر مهرجانان يرفعان شعار سينما المرأة، وهناك مهرجان ثالث يحاول الإعلان عن هويته النسائية قبل نهاية هذا العام، إنه تكريس مرفوض لخصوصية الإبداع بين المرأة والرجل.
لو تذكرنا مثلاً بعض التظاهرات الإبداعية الكبرى، مثل «أمير الشعراء» و«شاعر المليون»، التي تقيمهما «هيئة أبوظبي للثقافة والتراث» بدولة الإمارات العربية، نكتشف أن المرأة في السنوات الأخيرة اقتربت كثيراً من مرحلة التتويج بإمارة الشعر العربي، وأعتقد أنه ربما في العام المقبل يتحقق ذلك، ليس لكونها امرأة، ولكن لأنها تستحق قطعاً لقب «أميرة الشعر العربي» و«شاعرة المليون».
أتذكر أن المخرجة المصرية نادية حمزة كانت تقدم كل عناوين أفلامها وهي تحمل تنويعات نسائية، «مثل امرأة للأسف» و«المرأة والقانون» و«امرأة وامرأة» و«معركة النقيب نادية»، ووصل الأمر أنها قدمت فيلم «نساء صعاليك»، بطولة سهير رمزي، وسماح أنور، وفيفي عبده، وتحية كاريوكا، وخالفت قانون الطبيعة، حيث لم يتم طوال الأحداث العثور على رجل يقف أمام الكاميرا، ولو في دور كومبارس صامت. إنه نوع من التطرف، حتى لو غلفه الحب، وهكذا قال الشاعر اللبناني بشارة الخوري «ومن الحب ما قتل».