د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

استراتيجية «أبل» الجديدة

حقائق متعددة جعلت شركة «أبل» الأميركية تعيد التفكير في استراتيجيتها المستقبلية للحفاظ على مكانتها؛ أولى هذه الحقائق هي انخفاض مبيعات الهواتف الذكية في العالم، وهذا لا ينطبق على هواتف «آيفون» فحسب، فكثير من الشركات أعلنت عن انخفاض مبيعات هواتفها الذكية، لأسباب منها: زيادة عمر الهاتف الذكي، وقلة الخصائص التي تميز الإصدارات الجديدة عن القديمة، وكأن المستهلكين لم يعودوا يعبأون بكاميرا إضافية خلف الهاتف أو بمعالج أكثر سرعة.
كما أن «أبل» استوعبت شراسة منافسيها في الهواتف الذكية، فـ«سامسونغ» ما زالت تحافظ على مكانتها الأولى في مبيعات الهواتف الذكية، و«هواوي» مستمرة في زيادة حصتها السوقية. إضافة إلى ذلك، فالسوق الآسيوية لشركة «أبل» غير مستقرة، في ظل زيادة حدة الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين. وانخفاض مبيعات الهواتف الذكية يشكل خطراً على «أبل»، فـ«آيفون» مسؤول عما يزيد على نصف مبيعات الشركة.
واتضحت استراتيجية «أبل» الجديدة في مؤتمرها الأسبوع الماضي، وهي التركيز على الخدمات بشكل أكبر من السابق. وهو الأمر ذاته الذي أعلنه المدير التنفيذي تيم كوك، في رسالة للمساهمين بداية هذا العام، عندما أفصحت «أبل» عن انخفاض توقعاتها للمبيعات هذا العام. وبعد ما يقارب تسعة أشهر من هذه الرسالة، ومن خلال إعلانين مهمين في أثناء المؤتمر، اتضح مستقبل الشركة في تنويع محفظتها الاستثمارية.
وأكد الإعلان الأول منهما استثمار «أبل» في الألعاب، من خلال منصة «آركيد». أما الإعلان الثاني، فكان عن خدمة «تي في بلس»، وهي خدمة تختص بعرض الأفلام والمسلسلات، شبيهة تماماً بتلك التي تقدمها «نتفليكس»، وكذلك التي تخطط «ديزني» لتقديمها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. إلا أن «أبل» دخلت هذه السوق بقوة، فبعد كثير من التكهنات عن أسعار هذه الخدمة، فاجأت «أبل» الجميع بتقديمها هذه الخدمة بسعر 4.99 دولار في الشهر، وهو أقل من السعر الذي تنوي «ديزني» عرضه (6.99 دولار)، وأقل بكثير من سعر «نتفليكس» (12.99 دولار).
وكانت أول نتائج هذا الإعلان هو استقالة روبرت إيغر، عضو مجلس إدارة «أبل»، وهو المدير التنفيذي لشركة «ديزني»، بسبب تعارض المصالح عقب أن أصبحت «أبل» الآن منافسة مباشرة لـ«ديزني».
ودعمت «أبل» خدمتها الجديدة بعدة طرق، فكما أغرت مطوري الألعاب بالأموال مقابل جعل ألعابهم حصرية على منصة «آركيد»، تصرفت الشركة بشكل مشابه مع منتجي الأفلام، حيث تعرض «أبل» دفع مبالغ العقد مقدماً قبل الإنتاج، بعكس «نتفليكس» التي تدفع على مدى سنوات، وهو أمر غير مستغرب من شركة لديها احتياطي نقدي يقارب 210 مليارات دولار.
إضافة إلى ذلك، فسوف تعطي «أبل» اشتراكاً مفتوحاً لمدة عام كامل في هذه الخدمات لكل من يشتري هواتفها الجديدة، وهي بذلك تضرب عصفورين بحجر: الأول هو ضمان المشاهدة للخدمة التلفازية الجديدة، والثاني هو إعطاء حافز إضافي للمستهلكين لشراء هواتف جديدة.
كما أن «أبل» كانت سخية في ميزانيات الإنتاج لبرامجها الحصرية، كيف لا وقد أقرت الشركة ميزانية سخية للمشروع تزيد على 6 مليارات دولار. وتوضح التقارير أن تكلفة إنتاج الحلقة الواحدة من برنامجها الحصري «العرض الصباحي» تزيد على تكلفة إنتاج الحلقة من المسلسل الشهير «صراع العروش»، البالغة 15 مليون دولار.
ويبدو أن «أبل» قررت أخيراً الاستفادة من أهم موجوداتها، عملائها المخلصين، فعملاء «أبل» يزيدون على مليار عميل، وحتى مع كون الشركة تحتل المرتبة الثانية عالمياً في مبيعات الهواتف الذكية، وحتى مع سيطرتها على 46 في المائة من سوق الساعات الذكية، و53 في المائة من سوق السماعات اللاسلكية، فإن ذلك قد لا يضمن لها مستقبلها في ظل المنافسة الشرسة. وقد حرصت الشركة على إرضاء هؤلاء العملاء بتخفيض سعر الهاتف لأقل سعر خلال السنتين الماضيتين، وذلك دون الإضرار بهويتها التي تستند إلى السعر مرتفع. كما قررت الاستفادة من هؤلاء العملاء بالتركيز على الخدمات المقدمة لهم، التي يزيد هامش ربحها على 60 في المائة. وكأن الشركة قررت أن تستفيد هي من عملائها الحاليين، بدل من أن تستفيد شركات الألعاب والأفلام من استخدامهم لأجهزتها. لتدخل «أبل» بذلك عالماً جديداً من الخدمات يضاف إلى خدماتها الحالية، من الخدمات السحابية والموسيقية والتأمين على الأجهزة.