د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الاعتذار عن «الحماقات»!

ما أسوأ أن تجد نفسك مضطراً للاعتذار عن حماقات الآخرين. هناك بالفعل من هو مستعد لفعل ذلك بدرجة أو بأخرى. ففي استطلاع أجرته مؤسسة «يو غوف» تبين أن 36 في المائة من البريطانيين الذين شملهم الاستطلاع، قد أكدوا أنهم سيعتذرون عن الحماقات التي قد يرتكبها فرد ما مقارنة بـ24 في المائة من الأميركيين.
ما الذي يدفع المرء لعدم الاكتراث بإبداء أي صورة من صور الاعتذار؟ إنها «ثقافة الأخلاق» ومدى تطبيقها على أرض الواقع. ولذا لا غرابة حينما نقرأ أن اليابان، التي تدرس «مادة الأخلاق» منذ عام 1958، يضرب شعبها أمثلة لا تكاد تصدق عن أشكال الاعتذار. فما الذي يدفع قائد قطار إلى الاعتذار للركاب عن تأخر موعد انطلاقه لبضع ثوانٍ (نعم ثوانٍ وليست دقائق!)؟! وما الذي يدفع لاعبي المنتخب الياباني حينما خسروا مباراتهم المصيرية في كأس العالم إلى تنظيف غرفة اللاعبين، ثم وضع لوحة كتب عليها «شكراً جزيلاً»؟! فضلاً عن تنظيف جمهورهم الراقي لمدرجات الملعب؟! إنها مبادئ الاعتذار التي تدرس في المدارس. وهذا ما يجعل ألسنتهم رطبة من ترديد مفردات الاعتذار، مثل «سومي ماسين» و«أريغاتو».
ومهما كانت أدبياتنا العربية حافلة بمقولات وحكم الاعتذار، فذلك لا يعني شيئاً ما دمنا لا نمارس تلك الأخلاقيات في يومياتنا. وقد أصبح الإنجليز مضرب المثل عالمياً في كلمة «sorry» (آسف). وقد قرأت عن دراسة أجريت على ما يزيد على ألف مشارك بريطاني، فتبين أن الشخص العادي يردد كلمة «آسف» ثماني مرات يومياً. وأن واحداً من بين كل ثمانية أفراد يعتذر 20 مرة في اليوم الواحد! هذه ليست مبالغة؛ بل نشاهدها بأعيننا ونحن نعيش هنا في بريطانيا.
لا يمكن أن تنتشر ظاهرة الاعتذار ما لم نمارس ذلك في البيت أولاً ثم المدرسة، والعمل، وجميع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، طواعية لا مضطرين أو مرغمين. ولذا فإنني في أحيان كثيرة، وكثيرين مثلي، نتعمد الاعتذار بصورة مسموعة أمام أطفالنا عما بدر منا من خطأ أو اجتهاد أو كلمة غير موفقة.
وكلما ارتفع منصبك ومكانتك في المجتمع زادت الحاجة إلى اعتذارك. فهناك من يدمر شركة أو مؤسسة عامة أو فريقاً رياضياً، ولكن ما إن يتحلى بشجاعة الاعتذار فإنه سرعان ما يسحب البساط من تحت أقدام خصومه. أما أكبر جريمة فهي أن تدمر شعبك أو تضر وطنك ورموزه، ولا تُقدِم على كلمة اعتذار.