تعرض أبو الهول منذ أيام لوعكة أزعجت كل عشاق الآثار المصرية القديمة. وتعمل حاليًا لجنة من أثريين ومرممين على وضع روشتة العلاج المناسب لأقدم مريض في العالم. وتكمن مشكلة أبو الهول في أن الصخرة الأم التي نحت منها الجسد ما دون الرأس والرقبة ضعيفة جدا لدرجة أن أحد العلماء وصفها بأنها مصابة بالسرطان. وبالطبع، لم يكن هذا خافيًا على الفراعنة؛ ولذلك فقد قاموا بدعم هذه الصخرة الضعيفة بالحجر الجيري الجيد لكي يستطيع النحات المصري القديم نحت وإخراج النسب التشريحية لجسم الأسد. أما الرقبة والرأس فصخرتهما أقوى وأكثر تماسكًا، ولذلك لم يحتاجا إلى أي نوع من الكساء وخرجت ملامح وجه أبو الهول المعبرة مباشرة على الصخرة الأم.
وتعرض أبو الهول إلى عدة وعكات عبر تاريخه في العصر الحديث؛ الأولى: عندما كان يتولى فؤاد العُرابي رئاسة هيئة الآثار المصرية وسقطت مجموعة من الأحجار من الجسم وترك الرجل الهيئة بسبب أبو الهول.. والثانية: عندما سقط حجر من كتف أبو الهول اليمنى وفقد أحمد قدري منصبه كرئيس الهيئة بسبب أبو الهول. وكانت المصيبة في تعرض التمثال لأسوأ عمل ترميمي عبر تاريخه الطويل؛ حيث غُطي التمثال بالكامل بالإسمنت وأُزيلت الأحجار القديمة الأثرية التي كُسي بها أبو الهول في العصر الروماني، ووضعت مكانها أحجار كبيرة دون المواصفات قضت على النسب التشريحية للتمثال وشوهته تماما لدرجة أن أبو الهول فقد أجزاء من تشريح الأصابع والجسم.. وعلى مدار 10 سنوات ظل الاعتداء على أبو الهول متواصلا حتى خرج أبو الهول عن صمته؛ وبدأ يلفظ هذه الكسوة المشوهة وكتل الإسمنت التي منعته من التنفس.. حيث أغلق الإسمنت مسام الحجر والتي من خلالها يحافظ الحجر على نسب الرطوبة والحرارة بداخلة ويحفظ توازنه. وكان سقوط الحجر من كتف التمثال اليمنى هو بمثابة الصرخة التي أطلقها أبو الهول ليلفت إليه الأنظار ويستغيث من ذلك الاعتداء. وتوليت لنحو 10 سنوات رئاسة فريق ترميم علمي من نحاتين ومرممين ومعماريين وأثريين؛ وظل العمل يجري ليل نهار لإزالة آثار العدوان عن جسد أبو الهول والبدء في علاجه بنفس الطريقة المصرية القديمة التي اتبعها الفراعنة.. وللأمانة والتاريخ كان قرار إشراك نحاتين مصريين في فريق علاج أبو الهول هو قرار الفنان فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق، وقد انضم إلينا كل من الفنان آدم حنين، والفنان محمود مبروك. وبعد علاج التمثال أقمنا احتفالا ضخما أمام أبو الهول لنُعلن للعالم كله أنه بخير وأننا أعدنا إليه شبابه. وفي يوم الاحتفال؛ وعندما نظرت إلى وجه أبو الهول رأيت ابتسامته مشرقة فخورًا بأن أحفاده مداومون على الحفاظ عليه رمزًا أصيلًا لمصر، وحارسًا على حضارتها القديمة.
10:46 دقيقه
TT
أبو الهول.. أقدم مريض في العالم
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
