علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

عنوان غير صحيح

الملحوظة الخامسة، أن سيد قطب في معركته مع القصيمي وكتابه لم يتعرض لقضية من القضايا التي طرحها الكتاب بالرد أو النقاش، بل افتعل أسباباً لا صلة لها ألبتة بالقضايا التي طرحها الكتاب، ليهاجم الكتاب وصاحبه.
الملحوظة السادسة، أن إفادته حول الخطر الذي يتهدد القصيمي تناقضت. ففي مقالاته الأولى كان ينفي أن ثمة خطراً يتهدد القصيمي، وإنها مجرد ضجة افتعلها القصيمي ليُسوّق لاسمه ولكتابه، وفي مقاله الأخير قال: «لست - بعد هذا - أوافق على إيصال الأذى الشخصي لصاحبه، كما اقترح بعض النجديين والمصريين، فهو وصاحبه أهون من ذلك جداً».
الملحوظة السابعة، أنه مع مقاله الأخير حكم على القصيمي، وعلى كتابه، بالموت الأدبي. ولعله لا يخفى على القارئ الذي يعرف عن سيد قطب اعتداده الزائد بنفسه، وبنقده، ويعرف جنوحه إلى المغالطة، أنه ينسب سبب الوفاة إلى مقالاته الهزيلة والمضطربة عن القصيمي وكتابه!
كتاب القصيمي كان له دوي وصيت حين ظهر. ولقد خرج بعد سنوات قليلة من معطف مؤلفه وعباءة الكتاب كاتب كبير هو خالد محمد خالد. والحق أن الذي أمات الكتاب هو مؤلفه، وذلك حينما انحرف في كتبه التي أصدرها في بداية الستينيات ومنتصفها إلى اتجاه إلحادي وعدمي وعبثي وسوفسطائي.
الملحوظة الثامنة، تختلف معركة سيد قطب مع القصيمي وكتابه عن معاركه السابقة من ناحيتين: الأولى، أنه في معاركه السابقة كان يخوضها مع خصم يواجهه وخصوم يواجهونه، وهذه المعركة خاضها من دون أن يواجه خصمه الرئيس، ومن دون أن يواجه آخرين يتولون الدفاع عن خصمه الرئيس. والثانية، أن معاركه السابقة كانت تلقى اهتماماً من الأدباء، وهو الاهتمام الذي يدفع ببعضهم إلى المشاركة فيها، إما بالتأييد أو الاعتراض، بينما هذه المعركة لم تلق اهتماماً يذكر إلا عند مجلة «الهدي النبوي» المصرية، وعند المشايخ السلفيين الذين ردوا على كتاب القصيمي، والذين وصفهم بالمتزمتين.
الملحوظة التاسعة، أن هذه المعركة التي قلنا في أول ملحوظة عنها أنها كانت آخر معركة صنعها هي معركة خرج منها خاسراً. وبمناسبة ذكر هذه الملحوظة، أشير إلى أن عدداً من المعارك التي صنعها قد خسرها، لكن المحازبين له والمتعاطفين معه الذين أرخوا له لا يذكرون هذه الحقيقة.
أذكّر القارئ أن مقالات سيد قطب في الرد على القصيمي وكتابه «هذه هي الأغلال» هي مقالات جمعها الأخ العزيز سليمان الخراشي، وأوردها في كتابه «عبد الله القصيمي: من وجهة نظر أخرى؟»، ضمن ردود أخرى هي عبارة عن كتب وقصائد ومقالات وتعقيبات أنشأها مشايخ سلفيون في الرد على كتاب القصيمي بعد صدوره عام 1946. وحسب ترتيبه لإيراد الردود، كان رد سيد قطب هو الرد العاشر. أما الردود التي أوردها بعد رد سيد قطب فهي تتكلم عن القصيمي فيما بعد مرحلة كتاب «هذه هي الأغلال» أو مرحلته الإلحادية. وأقدم هذه الردود «دراسة عن القصيمي» لصلاح الدين المنجد الصادرة في عام 1967، أما الردود الأخرى فهي صادرة في وقت متأخر من بدء مرحلته الإلحادية فـ«ماذا يريد القصيمي؟» لأحمد بن محمد الشامي صادر في عام 1980، وهذا الكتيب هو أرجوزة شعرية في الرد على القصيمي وكتابه «العرب ظاهرة صوتية» الصادر في عام 1977، و«ليلة في جاردن سيتي» لأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري كتيب صادر في عام 1994، وكان قد سبق لمؤلفه أن نشره ضمن كتاب «لن تلحد»، الصادر في عام 1983، و«من أخبار المنتكسين: مع الأسباب والعلاج» لأبي عبد الإله صالح بن مقبل العصيمي التميمي صادر في عام 1995، وقد اعتمد الخراشي طبعة ثالثة من هذا الكتاب صادرة في عام 2006!
وختم خراشي كتابه بما قاله أنور الجندي عن كتاب «هذه هي الأغلال» في كتابه «معالم الفكر العربي المعاصر».
واستغرق ما عنونه بـ«الردود على عبد الله القصيمي» ستمائة وسبع وثلاثين صفحة من صفحات الكتاب، الذي يبلغ عدد صفحاته ثمانمائة وستاً وسبعين صفحة.
وعن طريقته في الكتاب، كما قال عنها في المقدمة: «قدمت عرضاً موجزاً عن حياة القصيمي، وأحواله وتنقلاته، وإلحاده ثم عرفت بكتبه (الإسلامية الأول) مع بيان محتويات كل كتاب منها، من خلال النقل عنه، وعرض فهرسه للقراء. وكتبه على شرف مضمونها، إلا أن في غيرها من الكتب النافعة غنية عنها. ثم سردت ردود العلماء والفضلاء عليه، معرفاً بها وبأصحابها، ناقلاً عنها مقدماتها وفهارسها، وشيئاً من العبارات المهمة فيها».
وسبب تأليفه لكتابه هو «إفراد موقع (إيلاف) الإلكتروني ملفاً عنه صيغ بعبارات احتفالية تمجيدية، ومثل ذلك إفراد صحيفة (عكاظ) حلقات عديدة للحديث عنه، وعن أحواله، وكتبه، وأقوال المعجبين به المنافحين عنه، مع خلط ذلك بقليل من شهادات المخالفين له».
سليمان يعتقد أن القصيمي انتهى أمره بعد صدور ردود على كتابه (هذه هي الأغلال)! إذ «توالت عليه الردود وأصبح حديث أهل العلم والفكر في منتدياتهم وصحفهم، ثم خفتت تلك الضجة حيناً من الدهر... ثم جاء من يبعثها في السنوات الأخيرة بمناسبة وفاته، ولسبب آخر مهم، هو أنه ينتمي للمملكة العربية السعودية، فحالته مستغرب وقوعها في هذه البلاد (بلاد الحرمين) التي ازداد تسليط الضوء عليها بعد أحداث الخليج - تقريباً - فأصبحت محط أنظار كثيرين، مختلفين في نظرتهم ومشربهم، ومن هنا جاء الاهتمام بهذه الشخصية الفريدة».
قبل أن أرد على كل هذا الكلام، سأناقش صحة العنوان الذي اختاره سليمان لكتابه: «عبد الله القصيمي: وجهة نظر أخرى!»، عبارة «وجهة نظر أخرى»، تصح لو أنه بوصفه كاتباً دينياً أنشأ كتاباً عن القصيمي يقوم على وجهة نظر مختلفة عن رأي التيار الديني فيه.
و«وجهة نظر أخرى» تصح لو أنه، بصرف النظر عن توجهه الديني، أنشأ كتاباً عن القصيمي، قدم فيه وجهة نظر جديدة ومخالفة لكل ما قيل عنه، سواء من قبل الدينيين الساخطين عليه، أو من قبل بعض العلمانيين العرب الممجدين له، وبعض العلمانيين العرب المتحفظين على منهجه وعلى بعض أفكار والناقدين لمنهجه وأفكاره.
وعبارة «وجهة نظر» من دون «كلمة أخرى»، أصلاً لا محل لها في قاموسه، لأنها ملفوظة ومرفوضة في قاموسه. فالذي يستخدم هذه العبارة هو ضمناً يرى أن وجهة نظره قابلة للتصويب ويجوز عليها الوقوع في الخطأ. وسليمان ليس من هذه الفئة فهو مسرف في انغلاقه الثقافي وفي انغلاقه العقائدي.
إن ما قدمه سليمان في كتابه الضخم كان مجرد استعادة لوجهة نظر دينية في القصيمي، هي معروفة ومشهورة وسائدة، ولا تعبر عن «وجهة نظر أخرى» فيه بأي معنى من المعاني.
فهذا الكتاب على ضخامته، ليس فيه شيء جديد على القارئ المعني قليلاً أو كثيراً بالقصيمي سوى مقالات سيد قطب - المقالة الثانية والمقالة الثالثة والمقالة الرابعة، فالمقالة الأولى كان الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة قد أعاد نشرها في كتابه «الشواهد والنصوص من كتاب الأغلال على ما فيه من زيغ وكفر وضلال بالعقل والنقل»- واستثني أيضا أغلب مقالات مجلة «الهدي النبوي» المصرية التي أوردها في كتابه.
واستثنيهما على نحو نسبي، لأنهما ليستا مجهولتين عند الملم بقضية كتاب «هذه هي الأغلال»، والمقالات الأولى ليست مجهولة عند الملم بهذه القضية والملم بتاريخ سيد قطب في مرحلته الأدبية.
وإدراج كتاب «من أخبار المنتكسين: مع الأسباب والعلاج» لأبي عبد الإله صالح بن مقبل العصيمي التميمي من ضمن الردود على القصيمي كان حشواً للكتاب، فالمقتطفات التي نقلها من هذه الكتب هي إعادة وتكرار لما قيل في الردود السابقة. وكذلك إدراجه مقالة الشيخ زيد بن فياض المنشورة في جريدة «الجزيرة» في جزأين في عام 1968 من ضمن الردود خطأ من حيث التسمية، فصاحب المقالة لم يقدمها بوصفها رداً، وإنما قدمها على أنها عرض لكتاب صلاح الدين المنجد «دراسة عن القصيمي».
نأتي الآن إلى الرد على سبب تأليفه كتابه. في هذا السبب صور نفسه بأنه في الكتاب الذي ألفه يتصدى لإحباط مؤامرة فحواها بعث فكر القصيمي وبعث كتبه في السعودية مجدداً!!
وأقول السعودية، وليس العالم العربي، لأن الجهود الساعية لبعث فكره وبعث كتبه مجدداً التي نص على اسمها، هي: الملف الصحافي الذي أعده لموقع «إيلاف» الإلكتروني عن القصيمي الصحافي والكاتب السعودي محمد السيف، والملف الصحافي الذي أعده عنه الصحافي والكاتب السعودي هاشم الجحدلي.
هذان الملفان الصحافيان عن القصيمي لا يوجد فيهما ما سماه الخراشي ببعث فكره وبعث كتبه، ولا يوجد في الملف الصحافي الأول - كما زعم - عبارات احتفالية تمجيدية له من قبل معد الملف، فهما كتبا تاريخه.
وهذان الرجلان كتبا تاريخه الشخصي والفكري بالاعتماد على شهادات الذين عرفوه عن قرب، والذين لهم مواقف متباينة منه، ولم يسعيا في ملفهما - كما افترى سليمان - إلى بعث فكره وبعث كتبه مجدداً.
وكما أن عنوان كتابه غير صحيح، فهذه العبارة «بعث فكره وبعث كتبه»، هي - أيضاً - غير صحيحة. ففكره وكتبه في مراحله الفكرية الثلاثة (سلفيته ــ تجديده الإسلامي ــ هرطقته وزندقته) حيان ومتداولان، ولا يحتاجان إلى بعثهما وإلى نفخ الروح فيهما.
المشكلة كانت هي أنه على شهرة اسمه في السعودية، وفي اليمن، وفي لبنان، إلا أن نشأته ومسار حياته، فيهما ما هو مجهول، وما هو غير دقيق، وما هو مغلوط، وما هو متضارب في المعلومات. ولهذا السبب أعد محمد السيف وهاشم الجحدلي ملفين صحافيين عنه.
فتاريخه لم يتضح للكثيرين منا، إلا بعد أن ترجم محمود كبيبو أطروحة الألماني يورغن فازلا عنه «من أصولي إلى ملحد: قصة انشقاق عبد الله القصيمي 1907 - 1996» إلى العربية عام 2001، وبعد أن أعد محمد السيف ملفه الصحافي عنه في 2002، وأعد هاشم الجحدلي ملفه الصحافي عنه ما بين عامي 2002 و2003.
إن سليمان ينكر ويستنكر ويدين بقوة وشدة إعداد محمد السيف وهاشم الجحدلي ملفين صحافيين عن القصيمي، وفي الوقت نفسه يبيح ويحلل ويجوز لنفسه الانتفاع من ملفيهما، إذ كانا من مصادر ترجمته للقصيمي!
وللحديث بقية.