تلقت العلاقات الجزائرية - الفرنسية صدمة جديدة، بعد أقل من أسبوع على اتفاق بين البلدين على تجاوز توترات غير مسبوقة بدأت الصيف الماضي إثر إعلان باريس تسبب فيها موقف المغرب في نزاع الصحراء.
وتجددت الأزمة بسبب سجن موظف بقنصلية الجزائر لدى فرنسا مع اثنين آخرين، في إطار تحقيق حول اختطاف المعارض أمير بوخرص الشهير بـ«أمير دي زاد»؛ ما أثار حفيظة وزارة الخارجية الجزائرية التي استدعت السفير الفرنسي ستيفان روماتيه، مساء السبت، وأبلغته احتجاجها الشديد على سجن الموظف الذي يتمتع بوضع دبلوماسي، وطالبت بـ«الإفراج عنه فوراً».
وردت باريس على الجزائر، الأحد، بخصوص طلبها، مؤكدة عبر «مصدر دبلوماسي» لـ«وكالة الأنباء الفرنسية»، أن «القضاء في فرنسا يعمل بكل استقلالية». وأضاف المصدر نفسه: «نحن لا نعلق على تحقيق جارٍ. السلطة القضائية التي تعمل بشكل مستقل تماماً هي الوحيدة المختصة لاتخاذ القرار».
ووُجّه الاتهام إلى 3 رجال، يعمل أحدهم في قنصلية جزائرية بمدينة كريتاي، الجمعة، وذلك للاشتباه في ضلوعهم في اختطاف اللاجئ السياسي أمير بوخرص نهاية أبريل (نيسان) 2024 على الأراضي الفرنسية، حسبما أفادت به «مصادر مطلعة» على الملف لـ«وكالة الأنباء الفرنسية».

كما يلاحق الثلاثة بتهم «التوقيف والخطف، والاحتجاز التعسفي على ارتباط بمخطط إرهابي»، حسبما أكدت النيابة العامة الوطنية لقضايا مكافحة الإرهاب.
اللافت في هذه القضية أنه لم يتم التعرف على ملابساتها إلا بعد مرور عام كامل من حادثة الاختطاف التي استمرت 27 يوماً، حسبما ذكرت النيابة الفرنسية. كما أن بوخرص لم يكشف عما جرى له رغم أنه يعلق باستمرار على مشكلاته مع السلطات الجزائرية.
وأكدت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان، السبت، «رفضها رفضاً قاطعاً، شكلاً ومضموناً، الأسباب التي قدمتها النيابة العامة الفرنسية لمكافحة الإرهاب قصد تبرير قرارها بوضع الموظف القنصلي رهن الحبس الاحتياطي».
ووفق البيان نفسه، تم اعتقال الموظف القنصلي «في الطريق العام، ووُضع تحت الحجز للنظر من دون إشعار عبر القنوات الدبلوماسية، وذلك في انتهاك صارخ للحصانات والامتيازات المرتبطة بوظائفه في القنصلية الجزائرية بكريتاي (وسط باريس)، وكذلك للممارسات المتعارف عليها في هذا الإطار بين الجزائر وفرنسا».
وشدد على «هشاشة وضعف الحجج التي قدمتها الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية خلال التحقيقات، إذ تستند هذه الملاحقات القضائية المرفوضة إلى مجرد كون هاتف الموظف القنصلي المتهم قد تم رصده بالقرب من عنوان منزل المدعو أمير بوخرص».
وعدّ البيان الوقائع التي تحدثت عنها النيابة بخصوص الموظف الجزائري «منعطفاً قضائياً غير مسبوق في تاريخ العلاقات الجزائرية - الفرنسية، وهو ليس من قبيل الصدفة، إذ يأتي في سياق محدد، وبغرض تعطيل عملية إعادة بعث العلاقات الثنائية التي اتفق عليها رئيسا الدولتين خلال محادثتهما الهاتفية الأخيرة».
وأضاف أن «هذا التحول المؤسف وغير اللائق يدل على أن بعض الجهات الفرنسية لا تحمل نفس الإرادة لإعادة تنشيط العلاقات الثنائية، كما لا تملك حسن النية والصدق الكفيلين بتهيئة الظروف المناسبة لاستئناف طبيعي وسلس للعلاقات الثنائية».
ورد «أمير دي زاد» على السلطات الجزائرية عبر حساباته في منصات التواصل الاجتماعي: «لم تتمكنوا يوماً من إسكاتي».
تشابه مع «قضية مسيلي»
تشبه هذه القضية، إلى حد بعيد، حادثة اعتقال الدبلوماسي الجزائري محمد زيان حسني بباريس عام 2009، على خلفية اتهامه بـ«المشاركة في اغتيال» المعارض اليساري المحامي علي مسيلي في فرنسا عام 1987. وكان مسيلي قيادياً في حزب «جبهة القوى الاشتراكية» الجزائري المعارض.

وأخلى القضاء الفرنسي سبيل مزيان بعد أشهر من الحجز الإداري، وفي 2010 أصدرت محكمة باريس حكم البراءة. وأثارت هذه الحادثة غضباً شديداً من طرف الجزائر، وتسببت في تراكم المشكلات بين البلدين جرت معها قضايا قديمة تدور حول الاستعمار (1830 - 1962) والهجرة بنوعيها النظامي وغير النظامي.
ولاحت بوادر انفراجة في علاقات البلدين بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الجزائر في السادس من الشهر الحالي، حين تم الاتفاق على تجاوز مشكلات كثيرة.
وكان الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون، ناقشا في اتصال هاتفي يوم 31 مارس (آذار) الماضي، طي التوترات التي اندلعت، الصيف الماضي، إثر احتجاج الجزائر على دعم باريس خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء، في مقابل مطالبة جبهة «بوليساريو» التي تدعمها الجزائر باستفتاء لتقرير المصير.

