وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

الدور الذي لا تريده السعودية

عندما تولى وزير البترول السعودي الراحل هشام ناظر منصبه في منتصف الثمانينات، كانت أولى الرسائل للسوق والمهام المنوطة إليه من قبل القيادة السعودية التي عمل على تنفيذها، هي استكمال إخراج السعودية من الدور الذي ظلت تلعبه في الثمانينات خلال وزارة الشيخ أحمد زكي يماني وهو دور المنتج المرجح (swing producer).
إخراج السعودية من ذلك الدور كان ضرورة حتمية لأن حصة المملكة السوقية انخفضت كثيراً بعد انخفاض حصة أوبك نظراً للمنافسة من خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). ولكن نظراً لعدم التزام بعض دول أوبك كانت حصة المملكة تنخفض فيما حصص هذه الدول ترتفع وسط الانخفاض العام نتيجة لما عرف وقتها باسم «حرب الأسعار» نظراً لتخفيض الدول سعر البيع من أجل زيادة حصتها السوقية. وهذا بالتحديد ما أغضب القيادة السعودية حينها.
وللأمانة التاريخية لم يكن الوزير يماني راضياً عن لعب المملكة هذا الدور، وفي العام 1983 بعد الاتفاق الشهير لوضع سقف للإنتاج وتحديد حصص الإنتاج، لم يكن يماني سعيداً بدور المنتج المرجح وذكر ذلك للصحافيين بعد أحد اجتماعات أوبك وقال: «لست سعيداً بهذا ولكن هذا ما يريدوننا أن نفعله». لقد رضي يماني بهذا الأمر نظراً لرغبة المملكة في الحفاظ على وحدة أوبك التي كانت على المحك، فلو لم تفعل المملكة ذلك حينها لذهبت كل دولة في طريقها تبيع النفط خارج المنظمة ولانهارت أوبك في أشد الأوقات صعوبة في تاريخها عندما انهارت الأسعار وبدأت الدول خارج أوبك تستفحل في الإنتاج بفضل دفاع أوبك عن الأسعار العالية حينها.
لقد استمر الرفض السعودي لدور المنتج المرجح طيلة السنوات الماضية، ونتيجة لهذا الرفض انهارت أسعار النفط في العام 2014. خلال وزارة علي النعيمي حيث تمسكت المملكة بحصتها السوقية حتى تمنع تكرار ما جرى في الثمانينات.
اليوم تعيش السوق النفطية حرباً أخرى ليست حرباً على الحصص السوقية أو الأسعار ولكنها حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتؤثر هذه الحرب بشكل كبير على الاقتصاد العالمي وعلى مستوى الطلب المتوقع. ورغم الاتفاق الجاري بين أوبك والمنتجين المستقلين خارجها لخفض الإنتاج إلا أن هذا لم يكف لرفع الأسعار بشكل كبير.
وفي العام القادم سيزيد إنتاج الولايات المتحدة حسب المتوقع مع تحسن البنية التحتية للأنابيب في منطقة البريميان، وسيكون هناك انخفاض متوقع في الطلب بواقع مليون برميل يومياً، إذا ما استمرت الحرب التجارية قائمة. هذا كله يتطلب أن تخفض أوبك وحلفاؤها الإنتاج بنحو مليون برميل يومياً بحسب توصيات العديد من الجهات من بينها مصرف مورغان ستانلي الذي يرى أن أوبك محاصرة وأصبحت تركض في دوامة خفض الإنتاج، ولن تستطيع الخروج منها.
ومع الاتفاق الجاري سيصبح من الصعب على التحالف خفض إنتاجه بدون أن تخفض السعودية المزيد من حصتها السوقية، وسيقع على المملكة الحمل الأكبر، كما يجري دائماً لأنها المنتج الأكبر، ولكن التزامات المملكة النفطية تجاه زبائنها تغيرت كثيراً عن السنوات الماضية إذ أصبحت المملكة تمتلك المزيد من المصافي داخلياً وخارجياً وأصبح هناك حد أدنى من الإنتاج لا يمكن النزول عنه كثيراً.
ولهذا سيكون العام 2020 تحدياً كبيراً لأوبك وللسعودية خاصة مع الضبابية حول الطلب. وفقدت السوق كل العوامل المشجعة ولم يتبق غير جانب واحد مشرق حالياً وهو فرض المنظمة الدولية البحرية (IMO) الوقود النظيف في السفن بدءاً من العام القادم وهو الأمر الذي قد يحسن من هوامش التكرير للمصافي في الصين وفي آسيا. وبسبب هذا التغير الجذري تتوقع شركة فاكتس جلوبال (FGE) أن تزيد صادرات الصين من الديزل بنحو نصف مليون برميل يومياً خلال الربع الرابع من العام الجاري. ما عدا ذلك لا يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيترك الكثير من الجوانب المشرقة لسوق النفط للنمو في 2020.