هناك نوع من الغموض حول الهوية الثقافية الموجودة بالتجمعات الاقتصادية بالشرق الأوسط. قبل سفري للإمارات قرأت بنهم أكثر ما استطعت من الصفحات على أمل تكوين صورة دقيقة للمكان الذي لم أزره أبداً من قبل. وببحث سريع في «غوغل» وجدت مئات الروابط للمعلومات حول حياة المغتربين في الشرق الأوسط. ابتداء من النصائح حول ما يجب فعله وما لا يجب فعله، الى الأسئلة التي توجه عادة مثل "هل علي أن البس البرقع؟". ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة لعام 2011 فإن حوالي 215 مليون شخص يعيشون خارج أوطانهم. وأنا متأكدة اني لست الوحيدة التي تحاول فهم من سأكون بينما أعيش في بلد مختلف.
ارتفع عدد المغتربين بالإمارات ارتفاعاً كبيراً فبينما قدر الإحصاء الأول الذي أجري قبل اتحاد الإمارات بثلاث سنوات عدد السكان بـ 180.000، تشير الأرقام الحديثة الى 8.3 مليون مقيم. انعكست هذه الزيادة على نمو الإمارات الاقتصادي بأثر العمالة الأجنبية التي تسهم في اقتصاد الدولة. وبلغ متوسط الناتج الاجمالي المحلي 4.6% ما بين عام 2000 و 2011 مع أعلى نسبة على الإطلاق عام 2006 والتي بلغت 9.8%.
إن الأثر الاقتصادي والاجتماعي للمغتربين في بعض دول الخليج واضح، ففي ديسمبر (كانون الأول) تزين أشجار الكريسماس مولات دبي وتمتلئ المحلات بهدايا الموسم وتقدم المطاعم قوائم طعام خاصة بالمناسبة. كذلك في الربيع يحتفل بعيد ألوان الربيع الهندوسي "هولي" بحيوية أكبر وألوان زاهية، حيث يذهب الآلاف الى حفلات الشواطئ والحدائق.
كموظفة في دبي أعمل مع زملاء يعتنقون ديانات مختلفة من المسيحية الى الهندوسية الى الإسلام. ويحتفل بهذه المناسبات جنباً الى جنب عيد الفطر وعيد الأضحى واليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة ورأس السنة الهجرية وغيرها من المناسبات المرتبطة تقليدياً بدول الخليج. ويخلق ذلك التنوع الثقافي وتنوع الممارسات تحديات للمواطنين والمغتربين على حدٍ سواء.
كان سلطان سعود القاسمي، وهو احد أفراد العائلة المالكة، اقترح بحث منح بعض المغتربين الجنسية. وأثار ذلك جدلاً واسعاً مع بعض المقالات على «التويتر»، التي دعت الى عدم تقرب الدولة من المغتربين على حساب البلد. ولا يصعب فهم ذلك بالنسبة لبلد مثل الإمارات. فالإمارات دولة شابة نسبياً صاغت أول دستور لها عام 1971، كما ان الإماراتيين لا يمثلون سوى 11.5% فقط من مجموع السكان، بينما تمثل 200 جنسية أخرى 88.5%. فهناك خلط ثقافي كبير مع نسبة قليلة من المواطنين في دولة صغيرة وشابة. لكن المجتمعات المحلية في دول الخليج وخاصة في الإمارات اختلطت دائماً بالثقافات الأخرى. وعلى الرغم من أن بعض أنماط السلوك تبقى متباينة بشكل حاد مع العادات الإماراتية، الا ان التهديد على الهوية الإماراتية يظل طفيفاً. اعتمد الإماراتيون دائماً على التجارة مع الأمم الأخرى، وتطلب ذلك ولا محالة التواصل مع ثقافات أخرى. أيضاً ومنذ تكوين الإمارات كان هناك دائماً مجتمعاً كبيراً من المغتربين. وأنا أكتب هذا المقال أنظر الى شجرة تنوب في صالتي تذكرني بشكل غريب بدبي. علامة للوثنية والمسيحية تعيد لي ذكريات دافئة من الحياة في بلد إسلامي. أدين بالامتنان لكل الوجوه الجديدة التي حيتني من مختلف الخلفيات، الى شجرة كريسماس كبيرة في منتصف مول دبي ولحفل الشتاء في المكتب والمطاعم التي تبيع هدايا الموسم. هي لحظات من ماضيّ تربطني بحاضري كذلك.
لايعني هذا عدم وجود ممارسات اجتماعية تمثل تحدياً للقيم الثقافية المحلية. وحتى يتم تجاوز التحديات لا بد من تشارك المجتمع لقيمه عبر الحوار الصبور. ويؤدي التركيز على نواحي التعدد الثقافي السلبية الى اهمال الفوائد التي يجلبها التنوع الثقافي. عندما استرجع تجربة عملي وحياتي لفترة في دبي استحسن الفرصة التي جمعتني بأناس من مختلف الخلفيات. وليس هناك أماكن كثيرة في العالم تمنح مثل تلك الفرصة. أصدقائي وزملائي و"عائلتي" في الإمارات من أركان العالم الأربعة، ولم تمنحني تلك الفترة فرصة التعلم عن الآخرين فحسب، ولكن التعلم عن تحديات العيش مع ثقافات جديدة أيضاً. يبدو لي في النهاية ان من يريدون المزيد من مبادرات الحماية يريدون ذلك جزئياً لإنهم يريدون شيئاً مألوفاً من ماضيهم في الحاضر. وأعتقد ان العديد من المغتربين لديهم هذه الرغبة أيضاً. لو بدأ الحوار حول الجنسية والثقافة والهوية الوطنية من هذا المنطلق، من منطلق مألوف للطرفين اللذين يعرفان ما يمكن أن تنجزه تلك الدول.
8:9 دقيقه
TT
التنوع الثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة: صديق أم عدو
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
