مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

قطر أمام أمرين أحلاهما مر

إذا كان هناك من يدافع عن كوننا نعيش في زمن تسود فيه الحروب الاقتصادية والمواجهات الجيواقتصادية عوضاً عن الحروب العسكرية، فإنه بذلك يتبع طرائق مختلفة وغير معهودة تخضع لمزيج من الاتفاق والاختلاف، وتفاعلات بالكيفية نفسها تدل على ضوابط وقيود إجرائية بمستوى العنوان الذي يحمله الموضوع.
من بين المقاربات التي يعيشها العالم اليوم هي تلك الوقائع كإجابة لما يحدث أو كردة فعل تناسب تغير العوامل الخارجية، فكانت لنا وقفة نفلسف فيها الفعل والمقاربة التي ذكرناها بأنها تشرح ما قاله الرئيس ترمب، في كلمة ألقاها بحضور وزير المالية الأميركي، ستيفن منوتشين، وأمير قطر، حول المساعدة التي قدمتها قطر لـ«قاعدة العديد»، وحسب قول الرئيس الأميركي فإن «ذلك تم باستثمار 8 مليارات دولار، والحمد لله كانت أغلبها من أموالكم وليست من أموالنا... وفي الحقيقة، الأمر أفضل من ذلك، حيث كانت كلها من أموالكم». يا له من تندر في حضرة أمير قطر أوقف سيادته بانتظار اللحظة الأكثر خطورة.
فهي تنقل المضمون نفسه الذي أشرنا إليه ويعني بالتحديد أن الحال تتغير حسب الواقع لا حسب العقود وتظل نمطاً من طرف العلاقة القائمة على تبادل المصالح، وأهمها حماية النظام القطري رغم التجاوزات الكثيرة سواء كانت تمويل الإرهاب وإيواء الإرهابيين وعلاقاته الوثيقة بنظام طهران الإرهابي وإردوغان، وعليه نطرح السؤال التالي: لماذا قصد ترمب بما قاله استحضار الأسباب لدعم قطر لقاعدة العديد؟
يمكن القول هنا، إن الأحداث المثيرة للحيرة هي بمثابة صفارات إنذار تجعل العالم على أهبة الاستعداد تجاه أي تصرف أو سلوك من أمير قطر، الشيخ تميم، وسيتكرر ذلك المشهد مجدداً ليدرك الجميع لاحقاً، أن لأمير قطر لم ينج بضربة حظ من العقوبات، وإنما للقصة بقية، تحمل مقدمتها إيحاءات تشاؤمية أصداؤها تتردد على مسامع الجميع، ترتسم علاماتها على ملامح الشيخ تميم وهو يصغي للرئيس ترمب، بحضور الوفد الرسمي القطري، ويخبر أنه موافق سلفاً على كل الطلبات والشروط ومنها توسيع «قاعدة العديد» الجوية العسكرية الأميركية على حساب الدوحة.
لا شك أن المخطط الأميركي قديم وأحد بنوده دفع تكاليف القواعد العسكرية الأميركية في العالم وأخذ المقابل الضخم، وستدفع قطر الفاتورة الأعلى؛ نظراً لوجود قاعدتين أميركيتين على أراضيها؛ هما قاعدة العديد التي تبعد 20 ميلاً فقط عن الدوحة، وقاعدة السيلية التي تقع خارج العاصمة القطرية على بُعد 30 كيلومتراً، إضافة إلى عزم الرئيس ترمب على رفع تكلفة القوات الأميركية بنسبة 50 في المائة.
كما دفعت ألمانيا نحو 28 في المائة من تكاليف قوات الولايات المتحدة الموجودة على أراضيها، وغيرها من بلدان العالم الموجود فيها قواعد أميركية، فالنظرة الأميركية هذه قد تبدو للمراقب فوقية متعالية تحاول محو مظهر الندية لأي بلد، وكأن العالم لا يستطيع تحريك ساكن إلا بأمر القائد.
الاستنتاج يبدو واضحاً جداً، فلطالما كانت القواعد الأميركية في الخارج لها ثمن باهظ وهناك من يدفع المبلغ الأعلى دون جدال، والأمر بهذه الحالة يحتاج إلى تسمية، فقدر من الحقيقة لا تكتمل به الحقيقة، فقطر تدعم الجامعات الأميركية بلا حدود وتفتتح فروعاً منها في الدوحة، ولكن نقلت «أسوشييتد برس» أن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة فكرية في واشنطن، دعت الرئيس ترمب إلى أن يكون أمير قطر «واضحاً وصريحاً» بشأن هدايا بلاده للجامعات الأميركية.
وقالت إن مؤسسة قطر «تشتهر باستضافة دعاة متطرفين ومتشددين في مسجدها الفخم داخل المدينة التعليمية في قطر، الذي يقع بالقرب من مركز وجود مقار الجامعات الأميركية فيها»، مضيفة أن على «الرئيس ترمب أن يبلغ الأمير (الشيخ تميم) أن أميركا ترحب باستثمارات حقيقية في نظامنا التعليمي، لكن ليس للتأثير على فكرها».
يعني أن الولايات المتحدة تشكر وتنكر في الوقت نفسه؛ تشكر أمير قطر على الدعم الكبير للجامعات وقاعدة العديد، وتنكر بقية الأخطار المتعلقة بالسياسة القطرية... فهل يمكننا أن نحدد مدى مصداقية إنكارهم؟ علما بأن الرئيس ترمب كان منتقداً لقطر، وذهب - على حد وصفه في عام 2017 - إلى أنها «ممول على مستوى عالٍ للغاية للإرهاب».
كل هذا، وأكثر منه أن ما تم خلال اللقاء من قبل الرئيس الأميركي ليس بالقبول اللائق ولا بالرفض القاطع. إذن، هو التعتيم على الحقائق وتأجيل بعض المطالب إلى حين الحصول على بقية الثمن من حكومة قطر وغيرها من الدول المسجلة ضمن قائمة السيد ترمب.