يوسف الديني
باحث سعودي ومستشار فكري. درس العلوم السياسية والإسلاميات التطبيقية، وعمل بالصحافة منذ عام 1999، وكاتب رأي في «الشرق الأوسط» منذ 2005، له كتب وبحوث ناقدة لجذور الإرهاب والتطرف والحركات والمنظمات الإرهابية في المنطقة. كتب عشرات الأبحاث المحكمة لمراكز بحثية دولية، ونشرت في كتب عن الإسلام السياسي والحاكمية والتطرف ومعضلة الإرهاب، وساهم بشكل فعال في العديد من المؤتمرات حول العالم.
TT

قمة العشرين: التأثير السعودي قطع الطريق على تجار الأزمات

تمضي السعودية بخطوات وثّابة في سباق الاستقرار ودولة الرفاه عبر حصد المزيد من النجاحات الحقيقية على مستوى التأثير في اقتصادات الدول الكبرى والأسواق العالمية من خلال اقتناص كل الفرص لبناء شراكات استراتيجية تصّب في صالح الاقتصاد الوطني الذي تشير كل الأرقام الدولية إلى تعافيه بشكل متسارع، ولا يمكن فهم تلك الحفاوة الكبيرة التي لقيها مهندس الرؤية الجديدة للسعودية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في قمة العشرين إلا بأنها تتويج لجهد طويل منذ أن أخذ على عاتقه شجاعة اتخاذ القرار الجريء بتبديل جلد الاقتصاد السعودي المعتمد بشكل إدماني على النفط، وبدأت الشراكات مع الدول الكبرى على رأسها الولايات المتحدة، والصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، إضافة إلى تبني استراتيجية الاقتصاد السياسي في تأهيل وإعادة دعم الدول العربية التي تصدّعت اقتصاداتها بعد الانزلاق في فوضى ما سمي بـ«الربيع العربي»، وبغض النظر عن تحوّلات ومآلات الفاعلين السياسيين في تلك الدول ظلّت السعودية بالجوار والقرب وبصمت تدعم تلك الدول لتستعيد عافيتها، بينما ينشط تجار الشنط والأزمات وعلى رأسهم حلف «التقويض» الإيراني والتركي وتابعتهما دولة قطر التي تجاهلت قمة العشرين وانشغلت بقيعان الأزمات السياسية وصولاً إلى الإسفاف والتضليل في الاستثمار في «الموت» بكل أنواعه وما أكثرها في منطقة فقدت منطقها.
وبمناسبة حلف «التقويض» فإن ما حدث من صعود التأثير السعودي مجدداً في السياق الدولي الذي عكسته قمة العشرين، أسهم في انتعاش سوق السياسة السوداء الذي يبرع فيه الملالي وإردوغان وقطر وهم يحاولون التعالق مع جثة الإسلام السياسي في محاولة لإنعاشه، وذلك عبر التكالب على استهداف المملكة وإعادة لعب ذات الكروت المحروقة من اليمن إلى خاشقجي والحجّ إلى قضايا مجتمعية داخل السعودية باتت مع هذا الحلف الذي يستهدف المملكة أشبه بالميديا الموسمية يتم إعادتها وتنميقها كل مرة في محاولة لإيقاف خطى الرؤية السعودية الداعمة لاستقرار المنطقة.
ما يجهله حلف «التقويض» لاستقرار الدول هو أنه يفقد اليوم حتى أوراقه التفاوضية والقدرة على التأثير والفعل السياسي الذي يتطلب قوة اقتصادية ورؤية صادقة وبعيدة المدى، وعلاقات إقليمية وسيادية قائمة على الاحترام المتبادل، كما يتطلب ذلك حسماً مضنياً في الموقف من الإرهاب والعنف وخطابات التحريض والمعارضات الممولة ودكاكينها الحقوقية والصحافية، وهم حسم صحيح أنه كلف السعودية الكثير من التحريض والاستعداء، ولكنه كما قال ولي العهد في أول ظهور إعلامي إنه لا يمكن اليوم في عالم يزداد تعقيداً العودة إلى الوراء أو «المربع الأول».
السعودية تملك أوراقاً تفاوضية عالية القيمة، ويكفي مساهمتها الفاعلة مع الإمارات في دعم إعادة استقرار الكثير من دول المنطقة بعد أن عبرت فوضى الربيع العربي، كان أهمها دعم الشعب المصري وثورته التصحيحية، واعتبار أن استقرار البحرين مسألة وجودية كما الحال لإعادة الشرعية لليمن، وإيقاف مشروع الملالي ووجهه الآخر مشروع الخلافة.
حلف استهداف الاستقرار يعاني من أزمة لا تتصل بالآخرين، قدر أنها مسألة هويّة ذاتية بنى عليها مشروعيته التي تتجاوز فكرة ومفهوم الوطن إلى مشروع هيمنة متوهم وغير واقعي قائم على الشعارات التي لا يمكن أن تصمد مهما علا صوتها أمام حاجة الشعوب إلى الاستقرار والأمان والعيش الكريم والتطلّع للمستقبل، وهو ما عكسته مفارقة الاحتجاجات الخجلى في إيران تجاه أزمات الداخل باستبدال أميركا بالتضخم كشيطان أكبر.
الكيانات السياسية المتمثلة في أشخاص أو أحزاب وميليشيات لا يمكن مهما حاولت بناء علاقات صحيّة وجيدّة مع الدول المؤثرة إقليمياً، لأن مشروعها قائم على الاستثمار في الفوضى كما الحال مع سلوك هذه الدول القائم على تبني الأقليات السياسية وأحزاب المعارضة وجماعات العنف سنيها وشيعيها.
والحال أن ما حدث لظاهرة «الإردوغانية» التي باتت منذ سنوات تتجاوز شخص إردوغان أو حتى حزبه، وهي حالة تلبس الكيانات السياسية الشمولية لعباءة الدولة ومنطقها يؤكد أن مأزقها هو مأزق هويّة سياسية، وهو ما بدا واضحاً في سلوك تركيا - إردوغان الأخير في التدخل السافر في الحالة الليبية، ومحاولة إعادة خلق شعبيته عبر التدخلات العابرة لانكساراته الداخلية وتدني شعبيته، وهو ما يعكس سلوك ترحيل الأزمات الذي تبرع فيه هذه الكيانات السياسية التي لا تعبأ بمفهوم استقرار الوطن، وقد سبق أن رأينا هذا الاستثمار في أجواء الأزمات لكسب الشرعية مراراً، سواء في المحاولة كل مرة مجدداً لاستهداف دول الخليج واستعدائها ومحاولة إضعاف تحالفها مع الولايات المتحدة أو مكانتها في المجتمع.
الفخ الذي وقعت فيه «الإردوغانية» ونسختها القطرية هو خطأ محاولة التشبه بسلوك ملالي إيران مع الفوارق الكثيرة، من خلال تهديد سيادة الدول، ومحاولة خلق اقتصادات الأزمة والعيش عليها وتضليل مواطنيها بشعارات المقاومة والصمود التي بلغت في لغتها وطرائق تكريسها إعلامياً ضرباً من الكوميديا السوداء.