مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

كنا نقول الحرب خدعة

قال ابن المنير «الحرب خدعة أي الحرب الجيدة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر»، وعلى الرغم مما تعرضت له بعض القرارات المصيرية في الحروب من نقد لاذع وصل حد الغضب أحياناً، فإن انصار السلام يؤيدون ذلك التردد وتعزيز القدرة على التأثير بحجم الخسائر لجميع الأطراف.
فالأمر هنا شبيه تماماً بما ورد في تقرير نُشر عن المسؤولين في البيت الأبيض والجيش والمشرعين، أن 4 اجتماعات عقدت في البيت الأبيض خلال يوم الخميس ابتداء من الساعة السابعة صباحاً، إلى منتصف النهار لبحث الرد المناسب على إيران حول إسقاط طائرة الدرون الأميركية، وكان الرئيس دونالد ترمب خلال كل تلك الفترة يبدي تأييده لفكرة عمل عسكري حسبما نشرت «واشنطن بوست»،
مضيفة أنه عندما كانت القيادات العسكرية تضع اللمسات الأخيرة قبل انطلاق العملية، بدأ ترمب يطرح أسئلة جوهرية خلال اجتماع مع مستشاريه، حيث تساءل عن عدد الضحايا المتوقع، لافتاً إلى أن أياً من الأميركيين لم يقتل في عملية إسقاط الطائرة.
وبناءً على هذا قرر ترمب إلغاء الضربة، قبل الموعد المحدد لتنفيذها، في خطوة تناقض توجهات بعض مستشاريه المتشددة. فهل مفهوم هذا التراجع الخشية من الخسائر أم هو الخوف من عدم إعادة انتخابه سنة 2020؟ ولهذا فقد يتبادر إلى أذهان الكثير عوامل جديدة تهيمن على العقول ترفض التفكير بالطريقة نفسها، وتغير مفهوم معنى الخدعة في عصر الاقتصاد السياسي.
وما يثير الاهتمام في الوقت نفسه إقرار ترمب بإيقاف الهجوم على إيران قبل 10 دقائق من انطلاقه واستبداله بعقوبات مشددة، وعلى كل حال فليس هدفنا البحث عن طرق تفكير الرئيس أو الإشارة إلى أننا نعتقد هنا أنها من خدع الحرب المقرونة بعنصر المفاجأة، فكيف سيكون الرد المفاجئ؟ أم أن تسخير القوة اللا محدودة لصنع المعجزات تبحث عن صفقات أكبر؟ علماً أن قمة العشرين كان قد أزف موعدها، وفي جانب آخر من العالم حملات انتخابية باهظة التكاليف من الجهد والمال، وقد يكون ذلك في واقعه يشبه المزايدة العلنية!
وبالطبع، فإن هذه المعطيات تملك أدلة كافية تؤكد سياسة المصالح حتى أصبحت منطقة الشرق الأوسط حقل تجارب ومصنعاً متنقلاً لقرارت ملزمة لكل الدول ترمز لمطالب وضغوط تتم عن طريق تحقيق أهداف، ضمن خطط أفراد وجماعات ومؤسسات ونخب حسب آيدويولوجيا معينة على مستوى محلي أو إقليمي أو دولي.
ولكن بشكل آخر تمر الأيام تباعاً وبها كثير من التحديات التي اكتسبها نفوذ الاقتصاد وكلمته الأخيرة في قمة العشرين التي عايشنا تفاصيلها، وحيث تداخلات القضايا.
من هنا كان الفارق كبير في مقاومة هذه الضغوط، لا سيما أنه عندما تقتصر الاستراتيجيات على العقوبات التي تجعل العدو يركع ليس عسكرياً، وإنما اقتصادياً، مثلما يشير عالم الاقتصاد والاجتماع فيرنر زومبارت.
والآن على خرائط العالم تتصدر الدول العشرون المشهد الاقتصادي بالعمل على تعزيز النمو الاقتصادي العالمي، حيث كان القادة على موعد من قرارات كبيرة وأساسية ولقاءات خاصة، والانتقال ببلدانهم إلى مستقبل واعد، كما أكدت مسودة البيان الختامي لقادة مجموعة دول العشرين المجتمعين في أوساكا اليابانية، على العمل سوية لتعزيز النمو الاقتصاد، وهذا الإدراك لتحديات القوة السياسية يثبت سياسة الاحتواء في ظل التوترات المحتدمة في منطقة الشرق الأوسط.
وتطرق المتحدثون وعلى رأسهم الأمير محمد بن سلمان في حضوره الثري والنشط إلى أهمية الجهود في سبيل دعم المرأة اقتصادياً، وبذلك يكون رفع الناتج القومي للدول، والنجاح القائم على منح الدول المتعثرة اقتصادياً الدعم في سبيل تأهيل القدرات التي أصبحت مطلباً للنهضة والتطور، والتفكير بأهمية مشاركة المرأة في سوق العمل، في إطار المعايير المطلوبة لإيجاد فرص عمل متساوية.
في هذا الجانب الاقتصادي الذي يشكل أهمية قصوى يتم تمويلها من الدول العشرين ليجعل العالم أقوى من جانبين سياسي واقتصادي، ويهدف إلى صياغة التصورات الاستراتيجية السياسية، فهناك أمل أن تتحقق منفعة تتبوأ مكانة عالية من الرؤى الاقتصادية في قمة العشرين، وتدفع بالدول المثيرة للشغب والإرهاب إلى الاحتكام إلى التعقل والتراجع نحو الصواب والعمل على نهضة بلدانها وتفادي مزيد من العقوبات الاقتصادية، والإضرار بمجتمعها.