ناثان بولارد
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

التغيرات المناخية والمشهد السياسي

في مايو (أيار)، أطلقت صحيفة «ذا تورونتو ستار» سلسلة تحليلات عميقة لظاهرة التغيرات المناخية في كندا، حملت عنواناً مباشراً: «ما لا يقبل الشك». ويبدو هذا وصفاً ملائماً للغاية للأدلة القائمة في سلسلة التحليلات المنشورة، وغيرها من البيانات المتاحة على النطاق العام.
ونحاول اليوم تناول هذه الظاهرة من خلال الصورة التي تتخذها في إطار التجربة الإنسانية الكبرى، وكيف تصوغ هذه التجربة السياسات. ودعونا نبدأ بمعدل درجات الحرارة العالمية. تشير الأرقام إلى أن درجات حرارة سطح الأرض تجاوزت المتوسط الذي شهدته الأرض خلال الفترة بين عامي 1951 و1980 خلال كل عام منذ عام 1977، مما يعني أن جميع الأشخاص الذين ولدوا بدءاً من هذه السنة عايشوا مناخاً مغايراً تماماً بالفعل لما كان عليه الحال من قبل.
عام 2015، كان متوسط العمر أقل قليلاً عن 30 عاماً، مما يعني أن تبدل المناخ الشيء الوحيد الذي خبره غالبية سكان الكوكب.
الملاحظ أن أبناء الفئات العمرية المختلفة يعبرون عن وجهات نظر متضاربة إزاء التغيرات والتقلبات المناخية المستمرة. وقسم استطلاع أجراه «معهد غالوب» قريباً الأميركيين إلى 3 فئات فيما يخص قضية التغيرات المناخية:
الفئة الأولى: «المؤمنون بالقضية القلقون بشأنها» - هم الأفراد الذين يساورهم قلق بالغ إزاء ارتفاع درجات حرارة الأرض، ويعتقدون أن ذلك يخلق تهديداً كبيراً خلال حياتهم، ويرون أن هذا ناتج عن نشاطات بشرية. الفئة الثانية: «المتشككون» - يتمسكون بوجهة نظر مناقضة تماماً حيال الأسئلة الجوهرية ذاتها، فهم لا يشعرون بأي قلق، أو بقلق بسيط، تجاه ارتفاع درجات حرارة الأرض، ولا يعتقدون أنها تمثل تهديداً خطيراً خلال فترة حياتهم، ويعتقدون أنها ناجمة عن تغيرات بيئية طبيعية. الفئة الثالثة: «الوسط الخليط» - يتمسكون بمزيج من الأفكار. على سبيل المثال، يعتقد بعضهم أن التغيرات المناخية سببها الإنسان، لكنهم لا يشعرون بقلق تجاهها، بينما يعبر آخرون عن وجهة نظر معاكسة؛ ذلك أنهم يرون أن ارتفاع درجات الحرارة ظاهرة طبيعية، لكنهم يستشعرون قلقاً تجاهها.
وعند تحليل هذه الفئات من المنظور العمري، نجد أنه كلما صغر عمر الفرد، زادت احتمالات انتمائه إلى فئة «المؤمنون بالقضية القلقون بشأنها».
واللافت أن الظواهر المناخية المتطرفة تؤثر هي الأخرى على الرأي العام تجاه التغيرات المناخية. وقد شرح البروفسور سكوت إروين، بجامعة إلينوي، كيف كانت التداعيات مروعة لتداخل طقس اتسم بهطول غزير للأمطار وموسم زراعة ما يطلق عليه «حزام الذرة». وبحلول الأسبوع الـ22 من العام، بعد 3 سنوات سابقة جرى خلالها زراعة الذرة في وقت متأخر للغاية، كان 80 في المائة على الأقل من المحصول على الأرض. هذا العام، جرت زراعة 67 في المائة فقط من المحصول.
ويأتي هذا الإبطاء في وتيرة الزراعة في وقت شهدت فيه الولايات المتحدة أكثر 12 شهراً من حيث غزارة الأمطار منذ عام 1895. وتبعاً للهيئة الوطنية للطقس، فإن ذروة نهر المسيسيبي في 9 يونيو (حزيران) في سانت لويس عكست ثاني أعلى مستوى لها، بعد رقم قياسي تحقق عام 1999. ووقعت 6 أرقام قياسية من بين أكبر 12 رقماً في تاريخ تسجيل بيانات النهر، منذ عام 2013. وبالنسبة لشخص يعيش بالمنطقة، ربما تبدو ظاهرة ارتفاع منسوب النهر على هذا النحو غريبة، لكن ربما تبدأ خلال الفترة المقبلة في الظهور في صورة الوضع الطبيعي الجديد. وذكرت مجلة «الإكونوميست» في ثنايا تغطيتها للسيول التي اجتاحت إلينوي أن «السيول والعواصف بدأت في تغيير التوجهات الأميركية إزاء التغيرات المناخية». ويمكننا رصد هذا التبدل في التوجهات على صعيد مرشحي الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية، فقد أعلنت إليزابيث وارين: «لديّ خطة لتناول هذا الأمر»، و«أملك خطة تصنيع خضراء من أجل أميركا». أما جو بايدن، فقد أعلن عن «خطة جو لثورة الطاقة النظيفة والعدالة البيئية». وبذلك نجد أن التغيرات المناخية أصبحت واقعاً أمام أغلب الناس، وتتحول اليوم شيئاً فشيئاً إلى واقع سياسي. وبالنظر إلى أن المناخ المتبدل باستمرار أصبح أكثر ما عايشه غالبية سكان الأرض، ربما ليس من المثير للدهشة أن نجد أن هذه الفكرة تجد طريقها إلى داخل المشهد السياسي، وربما صناعة السياسات، وكذلك الأسواق.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»