ليس بجديد على المملكة العربية السعودية أن تتعامل مع هذا التهور الإيراني الذي يقف وراء كل الأعمال الإرهابية التي تستهدف السعودية ودول المنطقة، ورغم الهجمات الحادة براً وبحراً التي تعرضت لها الدولة السعودية التي تقود التحالف العربي لتحرير اليمن فإن السعودية لم ترد على ذلك لأن جوهر السياسة الخارجية السعودية تميزها بالحكمة والعقل السياسي القائم على عقل رشيد في سياسته الخارجية والداخلية. إن الدهاء السعودي يبرز في مواضع الاختلاف أكثر من بروزه في نقاط الاتفاق نتيجة تغذية المحتوى العلمي لسبر جامعة الدبلوماسية السعودية.
لذا أثبتت السعودية الحكمة في تعاملها مع الإرهاب الإيراني ووكلائه في المنطقة من الحوثيين في اليمن و«حزب الله» اللبناني وعملائه في سوريا و«الحشد الشعبي» في العراق، والبقية تأتي من الذين ينفذون أجندتها، وآخر ما توصلت إليه إيران هو الاعتداء على ناقلات النفط في الإمارات وبحر عُمان ومضيق هرمز بقصد جر السعودية والولايات المتحدة إلى حرب شاملة تختار إيران فيها الزمان والمكان وتكون حرباً عالمية، وهنا تختلط الأوراق في المنطقة ويحدث كما يحدث الآن في سوريا وليبيا والسودان والجزائر وغيرها من الدول، ولكن لم يحدث ذلك حيث لم يكن هناك رد عسكري على مثل هذه الهجمات الإرهابية الإيرانية مثل قصف مطار أبها جنوب السعودية، ولا على الناقلتين في بحر عُمان، وغيرها الكثير إنما السعودية اكتفت بالتنديد بهذه الأعمال الإرهابية، وذلك لأن مثل هذه الأعمال التي قامت بها إيران خلال أسبوعين والتي تعبر عن ضعف في السياسة الخارجية الإيرانية وتدل على أن إيران وصلت إلى حافة الهاوية وبدأت تشعر بتردي الأوضاع الاقتصادية لديها بسبب ما فرضه الرئيس الأميركي دونالد ترمب من عقوبات اقتصادية، لم تكن تتوقع أن تصل إلى هذه المرحلة، ولا تزال هذه الحرب الاقتصادية مستمرة على النظام الإيراني.
إن هذه المنطقة من العالم يوجد فيها ثلث الإنتاج العالمي من النفط الخام الذي هو من أجود أنواع النفط، وتتركز فيها معظم المصالح لدول العالم وخاصة مضيق هرمز، وهو الرئة التي يتنفس منها العالم، وبالتالي فإن أي حرب سوف تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، حيث إن هذا الممر تعبر من خلاله ناقلات النفط الذي يصل إلى عشرين مليون برميل نفط يومياً مما يشكل خطورة على الاقتصاد العالمي، والمنطقة تكفيها الصراعات الموجودة فيها، ولذا جعل الرئيس الأميركي خيار الحل العسكري هو آخر ما يفكر فيه حتى يعطي الفرصة للعقوبات الاقتصادية التي نجحت إلى الآن في زعزعة الاقتصاد الإيراني.
أما البوارج وحاملات الطائرات الأميركية والقاعدة البريطانية في الخليج العربي وما تحمله من طائرات وما تقوم به من استعراضات، حيث حلقت طائرات القوات الجوية الملكية السعودية والقوات الجوية الأميركية من نوع «إف - 15 سي» في تشكيل مشترك على منطقة الخليج العربي تساندها طائرات تزود بالوقود جواً تابعة للقوتين، وذلك بهدف الاستمرار في تعزيز العلاقات العسكرية والعمل المشترك بين الطرفين، وهذا هو المعلن، ولكن هذه الاستعراضات تبعث في الوقت ذاته برسالة واضحة للنظام الإيراني حتى لا يفكر في أي عمل إرهابي آخر، وأن كل الاستعدادات والخطط العسكرية جاهزة للرد على الإرهاب الإيراني، وبذلك أخذ الخناق على إيران يزداد ويعرف المحللون العسكريون أن قوة أميركا لا تقارن بما تملكه إيران من أسلحة قديمة.
إن أول المتضررين من هذه السياسة الإيرانية الحمقاء هو الشعب الإيراني، وذلك لأن هذه السياسة تنعكس على الوضع الاقتصادي المتردي الذي وصلت إليه إيران، مما أدى بدوره إلى انعكاسه حتماً على المستوى المعيشي لشعبها، وهي تريد الآن الخروج من هذا الوضع «بشرف» ويوماً تلو آخر تزداد العقوبات الاقتصادية عليها من قبل أميركا، وهناك من يقول إن مثل هذه العقوبات تنعكس على الشعب الإيراني، بينما هذا الشعب يعاني من المشكلات المعيشية سواء بسبب العقوبات أو من دون العقوبات، وذلك منذ أن جاء هذا النظام إلى الحكم.. وترى إيران نفسها أنها بذلك سوف تصل إلى حافة الهاوية إذا ما استمرت هذه العقوبات.
وتدرك إيران أنها بحاجة إلى أن تمد أذرعها التي تتعاون معها في سوريا ولبنان والعراق واليمن بالسلاح والمال حتى لا ينهار المشروع الإيراني، وهي بذلك أمام خيارات أحلاها مر، ولكنها تدرك بأنها في النهاية سوف تتجرع هذا المر آجلاً أم عاجلاً، ولذا فهي تسابق الأحداث.
إن السعودية بهذه السياسة الحكيمة كسبت احترام المجتمع الدولي والرأي العام العالمي بموقفها هذا، وتدرك دول العالم جميعها أن السعودية بهذه السياسة إنما تطفئ نار الإرهاب، ولذا يطرح عدد من المحللين السياسيين والخبراء في الخليج والعالم عدداً من التساؤلات، ليس أقلها رواجاً التكهن بأن إيران فقدت صوابها، وهي ذاهبة نحو الانتحار، مثلما فعلت من قبل في حربها مع صدام، واعتادت نظم ثيوقراطية أن تفعل أي شيء.
إن إيران اليوم في موقف لا تحسد عليه ولم يسبق لها مثل هذه الأوضاع التي تمر بها، وهي كفيلة بإسقاط نظام طهران لأنها تقطع أوصال قوتها، ومنها الموجودة في اليمن ولبنان والعراق وسوريا، بشكل لم يعد بإمكان إيران تغذيته. ولذلك يلجأ النظام الإيراني إلى تصعيد الموقف العسكري حتى يظهر القوة، ولذا فإن إيران مع هذا الوضع الذي هي فيه تفضل حتى الحرب الشاملة لأنها ستوحد الشارع الإيراني، خصوصاً بعد تأكدها من عدم جدية أميركا في الحرب المحدودة أو الشاملة.
وبدل أن تصلح إيران أوضاعها الداخلية وتتصالح مع شعبها الذي يمثل الآن قنبلة قابلة للانفجار وتتصالح مع جيرانها راحت تخلق مشاكل من خلال أذرعها، ففي اليمن الحوثيون في أزمة وفي سوريا لا كلمة لها ولا عمل غير تجييش الأطفال إضافة إلى «حزب الله» ذراعها في لبنان.
إن الجميع بلا استثناء يقول بأنه لا يريد الحرب وحتى إذا افترضنا صدق الجميع فإن النوايا الحسنة لا تفيد، وبالفعل لا أحد يريد الحرب، ولكن إذا فرضت على أي دولة، فالقانون الدولي يجيز لها الدفاع عن نفسها بكل الوسائل، ومن جهتها لا تستطيع الولايات المتحدة أن تهمل التهديدات الموجهة إلى سفن الشحن وناقلات النفط العالمية في هذه المنطقة شديدة الأهمية والخطورة في الوقت ذاته، وبالتالي نخلص إلى حقيقة أخرى وهي أن وزير الخارجية الألماني ورئيس الوزراء الياباني اللذين زارا طهران كانا محقين في أهمية استدعاء الدبلوماسية، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فإن الأحداث المتصاعدة لا تذهب في هذا الاتجاه لأن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن!
8:2 دقيقه
TT
الحكمة السعودية والغطرسة الإيرانية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة