حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

لبنان الذي اختاروه

عندما كنت طالباً جامعياً في الولايات المتحدة كنت أستعد لدخول مرحلة دراسية متقدمة تطلبت تحضيراً محدداً وإملاء بيانات معقدة، والإتيان بخطابي تزكية من شخصيات محترمة وناجحة ومؤثرة، وكانت إحدى الشخصيات التي قررت التواصل معها بخصوص هذا الطلب صديق والدي مندوب لبنان وقتها لدى الأمم المتحدة ورجل السياسة والإعلام المحترم غسان تويني، ناشر صحيفة «النهار» العريقة.
كان الرجل نموذجاً للبنان المبهر والمميز، رجل الإعلام المميز ومالك لصحيفة مؤثرة، حينما يكتب فيها كانت كلماته تلقى الصدى، وحينما يكتب في صحيفته ميشال أبو جودة كان عموده الأهم في الصحافة اللبنانية، وفي الجريدة نفسها كان كاريكاتير بيار صادق يشعل الرأي العام بريشته اللاذعة، مع عدم إغفال سليم اللوزي ومجلته العظيمة «الحوادث»، ولا إغفال كامل مروة وصحيفته المعروفة «الحياة».
كانت بيروت الشعلة في عالم الفنون والآداب والموسيقى والأعمال والصيرفة والسياحة. بيروت كانت عاصمة لمنارة الشرق. منها انطلقت فيروز والأخوان الرحباني، ومنها انطلقت أهم دور النشر والمسارح لتقديم الفنون والآداب والموسيقى من خلال نافذة الحرية الوحيد على العالم العربي. كان بلد زعامات وقامات وطنية ونماذج ناجحة في مختلف المجالات. كان لبنان مركز الشرق في الأعمال والتعليم والفن والآداب والأعمال والحريات، ولكن الكلمة الأهم في سياق هذه الجملة أنه «كان».
جاءت الحرب الأهلية فقتلت في لبنان الكثير من القمم والتميز الذي كان يعرف عنه ويميزه. غابت قامات عظيمة مثل كمال جنبلاط وصائب سلام وعمر كرامي وكميل شمعون وبيار الجميل، لنرى يحل محلها أسماء مثل حسن نصر الله وجبران باسيل ووئام وهاب. ولا داعي لأن أزيد في توصيف أو تفصيل الأسماء المذكورة.
من المؤسف والمحزن حجم الهبوط والـ Down Grading الذي حصل في بلد مهم في العالم العربي وفي مدة وجيزة جداً، والباعث على الحزن أكثر هو وجود «مؤيدين» مغيبين لرموز وقادة هذا الانهيار، الذي يقود البلد نحو الهلاك والقاع بسرعة فائقة.
حزب إرهابي بقيادة زعيم عصابة يدين بولائه المطلق لزعيم سياسي ومنظومة متكاملة أوامرها من خارج البلاد، ويعتمد في تمويله على تجارة المخدرات، هو اليوم القائد الفعلي للبنان، ويجبر مخالفيه بالتأييد أو تصفيتهم بالسلاح. مطار يدار منه وتحت سيطرة عناصره، دول تهان وقتلة يجوبون الشوارع دون أن يقبض عليهم. ضاعت هيبة القانون في بلد عرف عنه تجريم وسجن من يصدر شيكاً من دون رصيد في ذروة الحرب الأهلية وقتها. ولكن هذا أمر بات من الماضي. دولة كان خطابها في ظاهره متوازناً ومدنياً تحول الآن على لسان وزير خارجيتها إلى خطاب عنصري بغيض بحق العرب على أرضها وعدائي بحق العرب من أصدقاء لبنان.
الموضوع يتخطى ردة الفعل تجاه زعامة رئيس عصابة مثل حسن نصر الله بحق لبنان أو تصريحات وتصرفات وصفت بالعنصرية من وزير خارجية كجبران باسيل. الموضوع أعمق لأن ما يحصل اليوم هو رغبة أغلبية لبنانية من مسيحيين ودروز وشيعة. هذا هو شكل لبنان الذي اختاروه.