عقدت خلال تسع سنوات من عمر الأزمة السورية الكثير من الاجتماعات. ثمانية منها في جنيف، وثلاثة في فيينا خريف عام 2015، واثنا عشر في آستانة (نور سلطان). أمّا التي صارت في آستانة، فيبدو أنها وصلت إلى الحائط المسدود، ولا تلوح في الأفق أي فرصة قيام جديد لها.
إن أوراق آستانة احترق نصفها في عفرين؛ حينما احتلت تركيا عفرين، ونصفها الآخر أُضيع في إدلب. ولا يختلف الحال كثيراً في «جنيف السوري». فالمشهد الذي ظهر فيه في عام 2012 بات عليه مختلفاً اللحظة. الآليات التي أدت إلى عقد اجتماعات جنيف غيّرتها التحالفات الإقليمية والدولية الجديدة، وباتت فيها الاستراتيجيات حيال الأزمة السورية أقل غموضاً، خصوصاً بعد تشبيكها بأعقد الملفات الإقليمية والدولية. الملفان الإيراني والتركي فيها متناوبان، وكلاهما معروضة أوراقه على طاولة السياسة الدولية، على الرغم من أن سياسة ضبط عقارب طهران، وفق ساعة واشنطن، وربما موسكو، ما يتصدر المشهد.
تبقى اجتماعات فيينا الثلاثة أكثرها حظوة. فقد تمخض عنها أفضل القرارات الأممية المتعلقة بحل الأزمة السورية؛ القرار الأممي 2254. ولأن الأفضل شيء والأحسن شيء آخر، فإن الذي تمخض عن فيينا لم يفقد بريقه، رغم الفراغات الموجودة فيه، والقراءات المتعددة له. وعلى الرغم من أنه ليس كل ما يلمع ذهباً، إلا أنه يبقى بمثابة القاسم المشترك ما بين المحلي السوري والإقليمي والعالمي. من أحد إجراءات هذا القرار أن وقع الاختيار على الرياض لاستضافة اجتماع للمعارضة السورية تنمُّ عنه هيئة للتفاوض. فعقد «الرياض 1» و«الرياض 2».
بين مساري نور سلطان وجنيف قاسم مشترك متمثل في أن «مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد) المظلة السياسية لـ«قوات سوريا الديمقراطية» الأخيرة، شريك للتحالف الدولي بقيادة أميركا ضد الإرهاب، تم استبعاده عن حضورهما. كان يتم إبلاغنا بأن أنقرة تضع فيتو بعدم مشاركة «مسد» فيهما. لكن كان اهتمام «مجلس سوريا الديمقراطية» منصباً بشكل كبير على حضور «جنيف»، لأنه طرف أساسي في الحل، ولديه مشروع طبّقه على الواقع متمثلاً بالإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا منذ 23 يناير (كانون الثاني) 2014.
ولأن التعويل الأممي الوحيد لحل الأزمة السورية لن يكتب له مغادرة جنيف، لن تكون «آستانة السورية» على حساب «جنيف السورية»، كما حدث بأن تقدمّت أوسلو على حساب مدريد في مباحثات السلام الإسرائيلية - الفلسطينية. الفارق كبير بينهما سوى أن المقارنة مفيدة. ربما سيُسلِّم «مجلس سوريا الديمقراطية» بذريعة الفيتو التركي، ويحتفظ لنفسه بالظنون - الحقيقة. فالعبرة بالنتائج، والنتيجة المثلى أن يبقى «مسد» والمعارضة السورية الوطنية في الجهة نفسها. والأسلم لنا كسوريين عدم تغييب أي طرف من أطراف الحل السوري وأفرقائه عن طاولة المفاوضات بإشراف الأمم المتحدة، فكيف إذا كان بحجم «مسد» الذي باتت قواته مسؤولة حتى اللحظة عن 42 ألف ميل مربع من الجغرافية السورية؟ وبأن «مسد» يحظى بثوابت وطنية يتقاسمها وأغلب السوريين؛ في مقدمتها الحفاظ على وحدة الجغرافية السورية، وسلامة ترابها، وتمكين السيادة الشعبية فيها، ولأن الحل السوري هو سياسي، وباستحالة الحسم العسكري من قبل السلطة في دمشق، وعودة إنتاج الحكم المركزي في صورة عام 2011 وما قبله.
تضاف إلى هذا العام رؤية خاصة عند «مسد» متمثلة في أن النظام المركزي الاستبدادي في دمشق أساس الأزمة السورية، وفي الوقت نفسه جزء من الحل. في الأخيرة وخصائص أخرى ميّزت «مسد» عن أغلب صنوف المعارضة السورية الأخرى في الداخل السوري أو في خارجه، وتميّز من خلال خطه الثالث بأنه لم يكن مع النظام السوري، ولم يكن مع المعارضة التي وضعت بيضها في سلة وحيدة عنوانها إسقاط الرئيس الأسد.
يبدو اليوم أن الأجواء تسمح بأن يشارك «مسد» والإدارة الذاتية، وينضم إلى «هيئة التفاوض» واللجنة الدستورية السورية من أجل كتابة عقد اجتماعي سوري جديد أو دستور سوري توافقي. ولو حدث ذلك فلن يكون مجرد إضافة، أو الخطوة الصحيحة فقط، إنما بمثابة اختراق حقيقي للأزمة السورية. لقد مثّل «مجلس سوريا الديمقراطية» إلى درجة كبيرة أساسيات الحل السوري المتمثلة بدورها: إنهاء الإرهاب، وتقديم أفضل طريقة - عبر نموذج الإدارة الذاتية - لماهية التغيير عبر المشاركة الحقيقية والسلطة السياسية في سوريا. يضاف إليهما إنهاء كل احتلال لسوريا، وإنهاء كل وجود أجنبي على أرضها. وهنا تتحول الأعين بدرجة كبيرة لعقد مؤتمر «الرياض 3»، وإعادة هيكلة «هيئة التفاوض»، وأن تنجم عنها رؤية توافقية موحدة حول أيَّها المبادئ الأساسية للدستور السوري في خريطة طريق الحل السياسي المهتدي بالقرارات الأممية ذات الصلة؛ في مقدمتها القرار الأممي 2254.
ولأن الأجواء باتت بالمساعدة ليحدث مثل ذلك، سوى أنه يتردد على سمع «مجلس سوريا الديمقراطية» إمكانية مشاركة لها في «هيئة التفاوض» أو اللجنة الدستورية كجزء ممثل عن مؤسسات المجتمع المدني. هذا لا يمكن قبوله. من الخطأ قبوله. ليس انتقاصاً من مكانة مؤسسات المجتمع المدني، إنما من يطرح ذلك كأنه يميل لأن تكون كفة النظام السوري أثقل بكثير مما يقابلها في المعارضة السورية، وأن تبقى الأبواب مواربة أمام التدخلات التركية التي لا تساعد؛ لا بل تعرقل إنجاز الحل السوري، فستستمر الأزمة السورية. وفي هذه الحالة يعني تقسيم سوريا وتفتيتها.
- عضو مجلس رئاسة «مجلس سوريا الديمقراطية» - خاص بـ«الشرق الأوسط»
7:2 دقيقه
TT
حان وقت انضمام «مجلس سوريا الديمقراطية» إلى «هيئة التفاوض»
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة