جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

الحاجة الماسة للتعاون الاستخباري الدولي

تتشارك التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة اليوم (الصعود الصيني، والإحياء الروسي، وبرنامج الأسلحة النووية في كوريا الشمالية، والمغامرات الإيرانية في الشرق الأوسط، والتهديدات السيبرانية، وغير ذلك الكثير) في أمر واحد: الحاجة الماسة إلى الاستخبارات فائقة الجودة وعالية الدقة. وكما سوف تسمع من أي خبير استخباري تتقابل معه، الصورة الدقيقة ليست نسيجاً ترتسم عليه لوحة زيتية واحدة بل إنها فسيفساء من الصور بالغة الصغر.
وتنبني لديك هذه الصورة الكبيرة قطعة بقطعة مع مرور الوقت حتى يمكنك التراجع خطوات إلى الوراء حتى يتراءى أمام ناظريك المشهد الكامل بكل تفاصيله الاستخبارية القابلة للتنفيذ. وللقيام بذلك في أسرع وقت ممكن، تحتاج إلى العديد من الحلفاء، والشركاء، والأصدقاء الذين يسهمون بنصيبهم من المعلومات. وليست هناك دولة منفردة هي أذكى من الجميع الذين يعملون معاً: تقاسم المعلومات الاستخبارية هو المفتاح لإيجاد الأمن الحقيقي الواقعي.
واليوم، واحدة من أبرز الطرق الفعالة في التعاون على الصعيد الدولي هي اتفاقية «العيون الخمس» لتبادل المعلومات الاستخبارية بين الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وأستراليا، ونيوزلندا. وقد بدأت الاتفاقيات التأسيسية المبدئية في الفترة اللاحقة على نهاية الحرب العالمية الثانية. ومرة تلو المرة، أثبتت اتفاقية «العيون الخمس» جديتها وجدارتها، من حفظ آلاف الأرواح، والمساعدة في الفوز بالحرب الباردة. وساعدت كذلك على المحافظة على الأسرار بصورة جيدة للغاية لدرجة أن وجود ذلك النظام كان خافياً على الرأي العام الدولي حتى منتصف عام 2000.
عندما كنت قائداً لقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، كان من دواعي مفاجئتي وسروري معرفتي بمدى الفعالية والقدرة الفائقة التي يحظى بها أصغر الشركاء وإسهاماتهم بأحد الأسماء المهمة، أو التحديد الدقيق للمواقع الجغرافية، وإسناد الدوافع، أو الجدول الزمني المفصل لعملية من عمليات «طالبان». وطوال مسيرتي المهنية في الخدمة البحرية، استفدت باستمرار من الاستخبارات البحرية التي كانت تتدفق عبر قنوات شبكة «العيون الخمس». وكان النظام يتيح ليس فقط تبادل استخبارات الإشارة (الاستماع إلى الهواتف المحمولة وغير ذلك من الاتصالات)، وإنما الاستخبارات البشرية أيضاً (التي يجري جمعها من العملاء على الأرض)، واستخبارات الأقمار الصناعية كذلك. كما أن النظام يتسق مع التهديدات الجديدة: لقد اجتمع رؤساء أجهزة الاستخبارات الخمسة المعنية في اسكوتلندا الشهر الماضي لمناقشة المخاطر التي تشكلها شركة «هواوي» الصينية العملاقة للاتصالات، من بين أمور أخرى.
ولكن مع إمعان النظر في فعالية المفهوم نفسه، والعدد المتزايد من التحديات العالمية، فهناك سبب وجيه للتفكير بشأن التوسع من الحلفاء الخمسة الأصليين إلى سبعة على الأقل.
أما إسرائيل فهي تملك جهاز استخبارات قوياً في الموساد، ومصدراً عميقاً للأخبار والمعلومات في دول الشرق الأوسط. والجانب الإسرائيلي لديه الدافع الكافي لتبادل ومشاركة المعلومات الاستخبارية على المستويات الرفيعة بالنظر إلى التهديدات الوجودية التي يواجهونها في المنطقة، كما تحظى إسرائيل بتاريخ طويل من التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأميركية، ويمكنها جلب واحدة من أبرز القوى السيبرانية إلى التحالف. على سبيل المثال، عندما انخرط حلف شمال الأطلسي في العملية الليبية لعام 2011، كانت الاستخبارات الإسرائيلية هي التي ساعدت الولايات المتحدة في الحصول على صورة كاملة لوجود تنظيم «القاعدة» وخلاياه الإرهابية العاملة في ميدان المعركة شديد التعقيد آنذاك.
والدولة الثانية المرشحة عندي هي اليابان بطبيعة الحال. تماماً كما يتسنى لإسرائيل توفير التغطية الاستخبارية في الشرق الأوسط، سوف تكون اليابان ذات فائدة استثنائية بالغة الأهمية في إقليم شمال شرقي آسيا. وتملك اليابان قدرات استخبارية ممتازة، ولديها مجموعة من أفضل القادة والخبراء العسكريين والمدنيين العاملين في قطاع الاستخبارات. وحكومة رئيس الوزراء شينزو آبي عاقدة العزم على زيادة الإنفاق الدفاعي الوطني – على غرار إسرائيل – ولديها كل المحفزات لذلك على اعتبار المخاطر والتهديدات التي تجابهها من دول الجوار، بما في ذلك كوريا الشمالية، والنزاع البحري مع الصين على جزر سينكاكو، والوجود العسكري الروسي المتنامي في منطقة الشرق الأقصى.
كما تملك اليابان حساً قوياً وراسخاً بالتحالف الوثيق مع الولايات المتحدة. وخلال رحلة أخيرة إلى اليابان، التقيت مع كبار المسؤولين في الاستخبارات اليابانية، وخرجت من اجتماعي بهم منبهراً للغاية من الدقة البالغة والعمق الشديد الذي لمسته في وجهات نظرهم وآرائهم، فيما يتعلق بمختلف القضايا ذات الصلة بالمنطقة.
وهناك مرشحون آخرون أقوياء للانضمام إلى التحالف، بما في ذلك عدة بلدان أوروبية. ومن الواضح، أن هناك تبادلاً عميقاً للاستخبارات بين الدول الـ29 الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي، ولكن ليس على نفس مستوى الوصول الكامل الذي يحظى به تحالف «العيون الخمس». وتملك فرنسا، على سبيل المثال، قدرات استخبارية متطورة للغاية، ولديها صلات قوية وكبيرة مع غير دولة في أفريقيا. وجرت مناقشات غاية في الجدية بشأن انضمام فرنسا إلى التحالف الاستخباري قبل بضع سنوات، ولكنّ كلا الجانبين أبدى رغبته في التأجيل.
ومن البلدان الآسيوية المرشحة للانضمام إلى التحالف في مرحلة من المراحل هناك كوريا الجنوبية وسنغافورة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»