وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

الغاز هو التحدي القادم لأرامكو

قبل سنوات طويلة كنت ألتقي باستمرار رجلا فرنسيا طاعنا في السن اعتبرته أبا بالنسبة لي وكان يناديني (مونفيس وائل) أي ابني وائل.
هذا السيد الفرنسي كان من قدامى العاملين في قطاع النفط في الخليج العربي، إذ حضر إلى الخليج قبل 40 سنة وكان ذا معارف واسعة وشبكة علاقات قوية جداً مع كل شركات النفط العاملة في المنطقة ويكاد يعرف غالبية التنفيذين في غالبية شركات المنطقة.
وكنت في كل مرة أجلس معه كان يسرد لي كثيرا من القصص حول الأحداث النفطية وحول ذكرياته وتعلمت منه كثيرا عن تسويق النفط الخام وعن تداخل السياسة بالنفط. وللأسف أبعدني عنه صراعه مع المرض حيث اضطر في أواخر أيامه إلى الرجوع إلى باريس للعيش هناك من أجل العلاج.
من بين القصص الجميلة التي كان يحكيها لي هي مغامراته مع الغاز الطبيعي، وكيف كان يقف بسيارته في المنطقة الشرقية ليلاً أمام حقول النفط ويرى اللهب الناتج من حرق الغاز يضيء المكان بصورة لا ينساها هو ولا أنساها أنا؛ لأنني كنت أرسمها في خيالي دوماً في كل مرة أسافر فيها خلال طريق أبو حدرية شمالاً في اتجاه الكويت.
لقد كان إنجازاً كبيراً أن أنشأت السعودية شبكة الغاز الرئيسية في منتصف السبعينات للاستفادة من الغاز الذي كان يحرق ويذهب سدى، وكيف تحول كل هذا الغاز فيما بعد إلى ثروة وطنية قامت عليها صناعة كاملة للبتروكيماويات.
وأكاد أشعر بالحزن في كل مرة أسافر فيها بالطائرة فوق العراق وأرى غاز الشعلة يضيء الأفق تحتي من شدة حرق الغاز. وأتمنى من كل قلبي أن ينتهي العراق من بناء شبكة تجميع الغاز والتي تأخرت كثيراً حتى يتسنى لهذا البلد العريق أن يستفيد من كل هذه الثروة المهدرة.
ونعود للسيد الفرنسي الذي كان من ضمن العاملين في الشركات الأجنبية التي حصلت على أول التراخيص لاستخراج الغاز من الربع الخالي وهي المبادرة التي تم إطلاقها في أواخر التسعينات وأوائل الألفية الثانية. للأسف لقد غادر هذا السيد المنطقة بعد سنوات ولم يتم إنتاج أي غاز من قبل أي شركة من الشركات الحاصلة على التراخيص والتي دخلت في شراكات تجارية مع أرامكو السعودية.
لقد كانت مفاوضات الغاز الطبيعي حدثاً مهماً للسعودية وبرزت أسماء كثيرة من خلال المفاوضات من بينها اسم وزير الطاقة والصناعة الحالي خالد الفالح والذي كان ضمن اللجنة المشكلة حينها والتي ضمت وزارات عدة. بل ورأس الفالح مجلس إدارة أول شركة من هذه الشركات وهي شركة (سراك) المملوكة مناصفة بين أرامكو وتحالف توتال الفرنسية وربسول الإسبانية.
وبعد نهاية تلك المبادرة فقد الغاز الطبيعي الوهج الذي كان حوله وعاد النفط ليكون هو المحرك الرئيسي للنشاط الهيدروكربوني في المملكة، إلا أن الأمور بدأت في التغير مجدداً في السنوات الخمس الأخيرة حيث عاد الاهتمام بالغاز إلى الواجهة مع برنامج أرامكو لمضاعفة طاقتها الإنتاجية من الغاز الطبيعي خلال العشر سنوات المقبلة إلى 23 مليار قدم مكعبة قياسية يوميا.
وتغير توجه المملكة من بلد مستهلك للغاز إلى بلد يسعى لتصدير الغاز سواء من مصادر محلية أو أصول أجنبية خارج البلاد.
وفي أواخر الشهر الماضي نقلت وسائل الإعلام عن رئيس شركة أرامكو أمين الناصر، أن شركته تريد أن تصبح لاعبا رئيسيا في قطاع الغاز، وتتطلع لمشروعات في أنحاء العالم من خلال «مشروع مشترك أو شراكة محتملة»، مضيفا أن أرامكو ستدرس أيضا احتمال تصدير الغاز عبر خطوط أنابيب وأيضا في صورة غاز طبيعي مسال.
وقال الناصر إن الذراع التجارية لأرامكو باعت أولى شحناتها من الغاز الطبيعي المسال من سنغافورة. وتمضي أرامكو قدما في برنامجها لاستكشاف وإنتاج الغاز التقليدي وغير التقليدي لتغذية صناعاتها السريعة النمو، في الوقت الذي تخطط فيه الشركة لزيادة إنتاجها من الغاز والتحول للتصدير.
وكان وزير الطاقة السعودي خالد الفالح قال إن أرامكو تتطلع إلى أصول للغاز في روسيا وأستراليا وأفريقيا.
كل هذا جميل وطموح، ولكن هناك تحديان يواجهان أرامكو؛ الأول هو أن هذا الأمر يعتمد على توسع أرامكو بشكل كبير في إنتاج الغاز وهذا يتطلب المزيد من الغاز الصخري أو غير التقليدي وهنا نتحدث عن تحديات كثيرة فنية ستحاول أرامكو تجاوزها مهما كلف الأمر. وسبق أن حفرت الشركة كثيرا من الآبار في حوض الجافورة الذي يعادل في حجمه حجم حوض إيغل فورد في تكساس ثاني أكبر أحواض إنتاج النفط والغاز الصخري هناك. ويقع حوض الجافورة في الأحساء على مقربة من حقل الغوار.
التحدي الآخر هو بيع وتسويق الغاز وتسييله. إن بناء محطات لتحويل الغاز إلى سائل لتصديره ومن ثم تسويقه، تحد جديد على أرامكو، وهنا من الأفضل أن تبحث أرامكو عن شركاء أصحاب خبرة في مجال الغاز المسال لتسهيل المهمة. والأسهل من كل هذه التحديات هو شراء أصول في الخارج والتصدير منها.