ميهير شارما
TT

ألم سريلانكا سوف ينتشر

لا تزال ذكريات الحرب والإرهاب حاضرة في سريلانكا، فقد كانت الحرب الأهلية التي امتدت لعقود بين الحكومة التي يسيطر عليها السنهاليون في كولومبو وحركة «نمور التاميل» وحشية بكل المقاييس.
وقد انتهت تلك الحرب منذ عِقد بمعركة كبرى ضارية وقعت بالقرب من المحيط الهندي، وحصدت أرواح آلاف المدنيين. مع ذلك لم يكن لدى سريلانكا الجميلة، والتي تتسم بالتعدد الثقافي، النسيج الواحد.
في صباح عيد الفصح عندما تم قتل المئات من المسيحيين ونزلاء الفنادق على أيدي انتحاريين تذكرنا بشكل مأساوي أن هذا البلد غير متصالح مع ذاته.
وليس هذا هو البلد الوحيد في جنوب آسيا الذي لم يتصالح مع ذاته، فقد شهدت شبه القارة بأكملها، والتي حكمها البريطانيون ذات يوم من دلهي خلال العقد الماضي، تكريساً للهوية الدينية والعرقية وترسيخاً وتعميقاً للانقسامات. لا تزال باكستان وأفغانستان ساحة متأججة بالتطرف والإرهاب، حيث الأقليات الدينية أكثر عرضة لأعمال العنف. وبات التحول الديمقراطي في ميانمار ذات الأغلبية البوذية نقمة ونعمة في آن واحد، حيث غضت الحكومة الجديدة الطرف عن اضطهاد وطرد أقلية الروهينغا المسلمة بها. كذلك تأجج العنف في إقليم كشمير مرة أخرى بعد عقد من الهدوء النسبي، واكتمل التحول هناك من توجه انفصالي ذي طابع علماني قومي إلى توجه تهيمن عليه الدوافع المتطرفة. كذلك تقترب منطقة الشمال الشرقي في الهند من حافة الهاوية مع بدء عمل الحكومة في نيودلهي على تكوين سجل للمواطنين بهدف عزل المهاجرين وترحيلهم من بنغلاديش الذين يقدر عددهم بالملايين بحسب زعم المسؤولين. ويتم التنافس خلال الانتخابات الهندية المرتقبة على أساس الدين والأمن والهوية، أكثر من أي انتخابات سابقة منذ استقلال البلاد.
هناك أمر واضح للغاية هو أنه لا يوجد ما يدعم ذلك الافتراض الساذج بأن النمو الاقتصادي والرخاء أو حتى زيادة الوعي سوف يساعد في الحد من الانقسامات، ويحول دون انفجارها في شكل أعمال عنف. ربما تكون سريلانكا ذاتها الجزء الأكثر تطوراً وتقدماً من شبه القارة الهندية طبقاً لمؤشرات التقدم الإنساني.
يحمّل جل من في شبه القارة مسؤولية ما يحدث من تنامي للإرهاب الديني والعرقي لطرف آخر، فأفغانستان تلقي باللائمة على باكستان، وباكستان تلقي باللائمة على الهند، وتحمّل الهند البريطانيين مسؤولية ما يحدث في شبه القارة من انقسامات. مع ذلك الحقيقة هي أن كل الدول التي تحررت من الاستعمار قد فشلت في أمر واحد، وهو بناء شكل من أشكال الهوية القومية العصرية الشاملة، فهي خط الدفاع الوحيد الذي يحمي من العنف في منطقة متكاملة ومحمّلة بعبء التاريخ مثل هذه المنطقة.
سريلانكا نموذج محبط يوضح مدى خطورة السماح بالانتساب لهوية، مثل الانتماء إلى دين أو جماعة عرقية، بأن يحدد موقف وتوجه دولة. زعمت حركة «نمور التاميل» أنها حركة علمانية، لكن على مدى سنوات الحرب الطويلة هاجم أفرادها الكثير من الأماكن الدينية البوذية وطردوا وقتلوا آلاف المسلمين. على الجانب الآخر، تزايد تركيز المشهد السياسي في سريلانكا على «الحماية» و«التمكين العسكري» للهوية البوذية والسنهالية، وليس من المستغرب إذًا نشوب أعمال شغب ضد المسلمين.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»