فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

عملية الزلفي... الإرهاب لم ينته بعد!

في عام 2003 بلغ تنظيم «القاعدة» ذروة اكتماله التنظيمي، رسخ خلاياه الخطرة في أكبر مناطق السعودية، استعرض عضلاته بعمليات نوعية مثل تفجيرات المحيا والحمراء. كان قادة التنظيم يلاحقون من القوى الأمنية بشكلٍ محترف، وقبل ذلك كان الهدف الرئيسي قائد التنظيم في جزيرة العرب يوسف العييري (قتل في 2 يونيو «حزيران» 2003) الذي تلقى تدريباً قوياً في إيران وفي جنوب لبنان وصنع على أيدٍ إيرانية وكوادر من «حزب الله»، تدريب منظّم تم تنسيقه بين أسامة بن لادن وعماد مغنية، كما استفاد العييري من المعارك التي خاضها في أفغانستان والبوسنة والهرسك، وكانت معركة البوسنة والهرسك مشتركة بين تنظيم «القاعدة» و«حزب الله» باعتراف حسن نصر الله في خطابٍ له، وقبل أيام صرّح سعيد قاسمي في مقابلة إذاعية بأنهم كانوا يقاتلون جنباً إلى جنب مع «القاعدة» تحت غطاء «الهلال الأحمر». ويضيف: «كان عناصر (القاعدة) يستخدمون رموزنا إلى جانب أشرطة تعصب بها الجباه إلى أعلام كتائبنا العسكرية وغيرها».
في ظهيرة يوم 21 أبريل (نيسان) 2004 كنتُ خارجاً من مقر عملي آنذاك في أمانة مدينة الرياض في منطقة «قصر الحكم» متوجهاً من جنوب الرياض إلى شمالها، وفجأة اهتزت الرياض على صوت دوي انفجار مهول، إذ عبرت سيارة انتحارية مبنى الأمن العام في حي الناصرية بشارع الوشم، توفي على أثره سبعة أشخاص وأصيب أكثر من مائة وخمسين شخصاً. أخذت أجهزة الأمن حالة التأهب لملاحقة قادة تنظيم «القاعدة» وتم تمشيط الأرض بحثاً عن المجرمين، حينها صرّح الأمير نايف بأن على المواطنين تحمل بعض نقاط التفتيش وذلك لمصلحة المجتمع والوطن، وقد نجحت السعودية بالفعل في سحق رموز التنظيم من يوسف العييري، إلى عبد العزيز المقرن، والدندني، والمجاطي، والبقمي، والدخيل، والتويجري، والعشرات غيرهم.
دول كثيرة فرحت بانشغال السعودية بالإرهاب، على رأسها إيران، أما قطر فقد نشرت فيديوهات لمنفذي تفجير المحيا، رسمتهم على شاشتها بهيئة الأبطال. لم تطل لحسن الحظ المعركة مع «القاعدة» مع أنها كانت باهظة الثمن، إذ دفع المجتمع دماء زكية لقاء الملاحقة المتواصلة للمتطرفين وقادة الإجرام، لكن الهزيمة وقعت، و«القاعدة» هزمت، وهربت إلى اليمن واضعة قواعدها هناك بقياداتٍ سعودية ويمنية مثل العولقي والربيش، وآخرين.
أما تنظيم «داعش» فقد بلغ ذروة إجرامه في عام 2014 وما بعده بقليل، من خلال تفجير المساجد، واستهداف الحسينيات، والإغارة على التجمعات، ولكن استطاعت الأجهزة الأمنية أن تهدم جزءاً كبيراً من هيكل التنظيم، فهو مشتت غير مترابط، وتأتي عملية الزلفي ضد مبنى المباحث ضمن محاولات التنظيم إيقاف الدعاية الإعلامية حول: «نهاية تنظيم (داعش)»، وقد فعل. كذلك الأمر في عملية سيرلانكا كلها رسائل من التنظيم لكوادره وأتباعه ولمن يتعاطف معهم ويفكر في الانضمام، بأن التنظيم لا يزال يضرب في مقتل بدليل هذه العمليات الدموية المستمرة والمتزامنة في أكثر من مكان.
لكن كيف يمكننا الانتباه مستقبلاً لحركة التنظيمات المسلحة وإمكانات العودة؟!
بالطبع لدى الأجهزة الأمنية معلومات متضافرة حول حركات التنظيم وخلاياه النائمة، ولديه القدرة على الضرب استباقياً، ولكن من الخطأ الترويج لنهاية أي تنظيم على كل المستويات، فمثل هذه التنظيمات تستطيع أن تتأقلم مع السحق الذي تتعرض له عبر الانكماش والكمون، ومن ثم التغلغل والدبيب داخل المجتمع بهدوءٍ شديد، قبل أن تجد الفرصة مواتية للقيام بعملياتٍ إرهابية مدمرة.
أما التجنيد فإن نجاح التنظيمات بالقيام بذلك يعني فشلنا في القضاء على وسائلهم للتجنيد، والنجاح الأمني لا يكفي، إذ يتطلب الأمر طروحات دينية معتدلة، تفك مغاليق الأسئلة، وتجيب عن وساوس الجيل وهواجسه، أما مؤسسات التعليم فيجب أن تواكب النجاحات الأمنية وتقتدي بها، وتكون بمستوى سرعتها وانطلاقها، من دون وجلٍ أو خوف.
جانبان لا مزاح فيهما، الخطاب الديني، ومؤسسات التعليم، فيجب أن تتجاوز الخطابات الوعظية، أو التقليدية، لتصل إلى تخوم المشكلة الفقهية بما يتعلق بمسائل الجهاد، أو البيعة، وقتل النفس، واستهداف رجال الأمن، هل يوجد فقيه قام بالرد المفصل المؤصل على كتبٍ تنضح بالقتل ألفها رموز تنظيمات «القاعدة» و«داعش»؟! لماذا الخوف والانزواء والهروب من المعركة ضد الإرهاب؟!
السعودية أقوى من أي تنظيمٍ متطرف، فقد قضت على الجماعة السلفية المحتسبة بقيادة جهيمان، وسحقت وكلاء أسامة بن لادن على أرضها، ودوخت تنظيم «داعش»، ولكن اليقظة مهمة والحذر ضروري رغم كثرة المتآمرين، من دول قريبة وبعيدة، ولكننا قادرون على هزيمة التنظيمات ومن يدعمها وينشر أشرطتها ويزف أخبار عملياتها، فأمام الإرهاب عاصفة عاتية من المواجهة والملاحقة بإذن الله.