خالد البري
إعلامي وكاتب مصري. تخرج في كلية الطب بجامعة القاهرة، وعمل منتجاً إعلامياً ومراسلاً سياسياً وحربياً في «بي بي سي - عربي»، وغطى لحسابها «حرب تموز» في لبنان وإسرائيل، وعمل مديراً لمكتبها في العراق. وصلت روايته «رقصة شرقية» إلى القائمة النهائية لـ«بوكر العربية».
TT

إلهان عمر خريجة دعاية قطر

هل اتهام اليهود بأنهم ينومون العالم مغناطيسياً عنصرية وتحريض؟
في حالة إلهان عمر نعم. حتى حزبها الديمقراطي نفسه يقول ذلك. ويطالبها، وقد فعلت، بالاعتذار. الحالة بالنسبة لهم واضحة لا لبس فيها داخل أميركا.
بالنسبة للناطقين بالعربية، ما قالته إلهان عمر نسخة مخففة للغاية مما نسمعه، في الإعلام «الممانع» بوجه عام، ولا سيما إعلام قطر. خطأ إلهان عمر أنها ظنت - وقد صارت نائبة في الكونغرس - أنها لن تحاسب على هذا. إنه مجرد «حرية تعبير».
ما قالته إلهان عمر، بالنسبة لبث «الجزيرة» بالعربي، يشبه قضمة مخللات قبل التهام خروف. إنما في حالة «الجزيرة» يقول الساسة الأميركيون - ولا سيما الديمقراط - إن هذا حرية رأي.
يوسف القرضاوي على قناة الجزيرة يقول إن الله يرسل إلى اليهود من يعاقبهم على خطاياهم كل برهة من الزمن. وإن هتلر - لاحظوا هذا - كان آخرهم. (30 يناير (كانون الثاني) 2009).
يشجع العمليات الانتحارية، شرطه الوحيد أن يستأذن الانتحاري الجماعة قبل أن ينفذ هجومه.
على شاشة «الجزيرة» يخرج القرضاوي منادياً، وحاثاً، الليبيين على قتل القذافي. وقناة «الجزيرة» تذيع شريط قتله، حتى وقد تمكن القتلة منه ولم يكن من داعٍ إلى هذا القتل. فتكمل مهمة زعيمها الروحي.
الغرب يلتفت إلى القرضاوي فيمنع دخوله جسدياً، لكنه يسمح لأخطر ما فيه - دعايته وتحريضه - أن يصل إلى كل بيت هناك عبر قناة الجزيرة. ولو كان هؤلاء الساسة جادين في محاربة التحريض لوجدوا في بث «الجزيرة» العربي ألف جريمة تستلزم محاسبتها.
زعيم «جبهة النصرة» الإرهابية في سوريا يحل ضيفاً على قناة الجزيرة.
الزعيم السابق للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، التي حاولت سابقاً اغتيال القذافي في مؤامرة مثبتة بالوقائع، تلقت فيها الجماعة تمويلاً من جهات استخباراتية بريطانية، كان السياسي المفضل لقطر وقناتها. هذا الزعيم خرج من السجن بموجب مراجعات تبناها الشيخ علي الصلابي - قرضاوي ليبيا - تماماً كما تبنى قرضاوي مصر خروج عاصم عبد الماجد ورفاقه بعد «مراجعات». وفي كلتا الحالتين، وفي أول فرصة، عاد رجال قطر عن المراجعات وأيدوا العنف المسلح مرة أخرى.
التحريض على العلويين السوريين، بصفتهم الطائفية لا السياسية، التحريض على اجتثاث مناطق سكناهم، حاضر في «الجزيرة» بلا خجل.
كل هذا وأكثر يمر على مسمع وذهن إلهان عمر، الصومالية الأصل، ثم يمر بعدها قول الساسة الأميركيين إنها حرية تعبير. كل هذا يمر على أذهان ملايين الشباب غير إلهان عمر، ثم يمر بعده ختم الساسة الأميركيين والغرب عموماً بأنه «حرية تعبير».
«شخص ما فعل شيئاً ما» التي قالتها النائبة الأميركية لوصف مقتل ثلاثة آلاف شخص في الهجوم على برج التجارة العالمي، جملة معدومة الحس، لكنها لا تكاد تذكر، إن قورنت بما يقال على قناة الجزيرة وما سيق من تبريرات للإرهاب، وما يمرر من رسالة ضمنية عن كره الآخر وشيطنته، واستدعاء «عدالة تاريخية» مزعومة ومبنية على رواية رجال قطر للتاريخ. من اللافت أن الجملة جاءت في كلمة النائبة المسلمة المحجبة أمام «كير»، المنظمة الأميركية المدعومة من قطر والمرتبطة بالإخوان.
الولايات المتحدة تضيق بتصريحات إلهان عمر. لكنها تريد من عالم الشرق الأوسط، الدائرة الضيقة حول القرضاوي، أن يتسع لتحريض القرضاوي على قناة الجزيرة، وتحريض مذيعي القنوات القطرية التركية الأخرى. وأن يعيش تحت رحمة الشباب المتطرف الذي تخرج على يده لكي يوجه الرصاص لا الكلمات. الولايات المتحدة تعتقد أن التحريض يمكن أن ينطلق من قطر، ويسافر، ويطير عبر الأثير، ثم يأتي على حدود الولايات المتحدة ويتوقف، ملتزماً برسم خريطتها.
وحين تعاقب، توزع العقاب على جمهور قناة الجزيرة، وتعفي القناة نفسها. كل مواطن مسالم في الدول التي يطالها الحظر الأميركي على منح تأشيرات الدخول، أو التشديد الأوروبي غير المعلن، يدفع ثمن الجرم القطري المحتمي بالحصانة القطرية (الغريب أن أفراد المجموعات المدعومة قطرياً صارت فرصتهم أكبر في الهجرة إلى أوروبا).
جوقة مؤيدي إلهان عمر، وتوكل كرمان، هي نفسها جوقة مؤيدي قطر.
الساسة الأميركيون - الحساسون ولهم الحق إزاء تصريحات إلهان عمر - عليهم أن يستمعوا إلى بث «الجزيرة» الناطق بالعربية لمدة أسبوع. سيصابون بأزمة قلبية. نتمنى لهم السلامة، ولكن نتمنى أن يتمنوا لنا أيضاً السلامة، ويكفوا عن هذا النفاق السياسي.