وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

الجيل القادم من المستثمرين لا يريد النفط

هناك جيل قادم من المستثمرين سيغيرون خارطة الاستثمارات في قطاع الطاقة. هذا الجيل نراه ونعيش معه ولكن لا نتحدث معه ولا نسمع لأفكاره رغم أن أفكاره هي التي ستحدد هوية المستقبل.
ولكن لحسن الحظ أن هناك في الغرب من يفكر في هذا الجيل المعروف باسم (زد) وهو الحرف (Z) باللغة الإنجليزية، والذي تتراوح أعمار أبنائه اليوم بين 18 و24 عاماً. خلال الأعوام العشرة القادمة سيكون لهذا الجيل الكلمة في تحديد نوعية الاستثمارات التي يرغبون بها حيث سيقودون العديد من الشركات والقطاعات.
جيل الألفية (millennials) سيكونون مؤثرين ولكن بصورة أقل بعد عشر سنوات ولحسن الحظ أيضاً أن هذا الجيل لا يزال لديه إيمان بالوقود الأحفوري كما يبدو وإن كانت هذه الأهمية في تناقص.
أما جيل زد فليس لديه أي ارتباط بهذا النظام القائم ويريدون أن يروا بيئة أفضل للعيش على هذا الكوكب، بحسب ما أظهرته دراسة مسحية لمصرف باركليز وشركة يوغوف (YouGov).
وبحسب هذا المسح فإن جيل زد يريد شيئين: الأول هو المزيد من الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتقليل البصمة الكربونية لشركات النفط والغاز الحالية، ولهذا فإن التوقعات تشير إلى أن هذا الجيل لن يستثمر في شركات النفط والغاز ولن يشتري أسهمها.
إذن ما هو الحل لجعلهم يهتمون بقطاع النفط والغاز؟ والسؤال الأهم لماذا عليهم أن يهتموا بهذه الصناعة بدلاً من جعلهم يفكرون في صناعة الطاقة المتجددة التي تعتبر أكثر ملاءمة للبيئة؟
الحل في شقين. أولاً أن تقدم شركات النفط والغاز الحالية المزيد من البرامج والإثباتات أنها تحاول تخفيض بصمتها الكربونية والانبعاثات من خلال الاستثمار في هذه الحلول وهذا ما تفعله شركات مثل بريتيش بتروليوم أو رويال دتش شل، وتفعله بعض شركات النفط الوطنية في دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) مثل شركة أرامكو السعودية بصورة أقل.
وابتكرت هذه الشركات العديد من الحلول لتخفيض الانبعاثات الكربونية وينوي بعضها التحول إلى إنتاج الغاز الطبيعي بشكل أكبر من النفط أو الدخول في مجال إنتاج الكهرباء النظيفة أو ابتكار تقنيات لخفض الانبعاثات بصورة عامة.
الشق الثاني وهو أن يتم تقديم المزيد من أسهم شركات النفط والغاز ذات الربحية العالية في صورة اكتتابات لضمان تدفق الاستثمارات إلى القطاع، ولضمان أن هذا الجيل عندما يسيطر على القطاع المصرفي فإنه لن يعارض تمويل مشروعات النفط والغاز والتي تحتاج إلى أكثر من تريليون دولار في صورة استثمارات جديدة حتى الفترة بين 2030 - 2040.
وهذا ما يجعل المهمة كبيرة على دول أوبك والتي تمتلك شركات وطنية ولم تخصخص أو تطرح أسهم أي منها للاكتتاب العام حتى الآن لتبقى الثروة الوطنية كاملة بيد الدول. الحفاظ على الثروات الوطنية والرموز الاقتصادية مثل شركات النفط أمر مهم ولكن العالم اليوم بحاجة إلى المزيد من الشركات في مجال الوقود الأحفوري والتي تتمتع بربحية عالية.
وشهية المستثمرين لهذه الشركات موجودة والدليل على ذلك الإصدار الدولي لصكوك أرامكو والتي سعت الشركة من خلاله لجمع 12 مليار دولار بينما حجم التغطية بلغ نحو 9 إلى 10 أضعاف المطلوب. ولأن الشهية موجودة لتمويل شركات مثل أرامكو فيجب الحفاظ على هذا المكتسب ونقله للأجيال القادمة.
يبقى السؤال الآخر هو لماذا يجب على هذا الجيل دعم شركات النفط والغاز وليس شركات الطاقة المتجددة؟ الإجابة سهلة وهي من أجل ضمان أمن الطاقة عالمياً لسنوات قادمة وللحفاظ على أسعار الطاقة عند مستويات مقبولة للجميع.
إن عزوف الجيل زد عن تمويل المشروعات الهيدروكربونية لا يعني زوالها ولكن يعني تأثرها وتقلص المعروض مستقبلاً وهذا الأمر لا يمس دول أوبك بل يمس الدول خارج أوبك في الأسواق المتقدمة حيث تحتاج الشركات إلى تمويل من أجل الاستمرار في أنشطتها.
لقد وقع هذا الجيل كما وقع كثير من قبلهم تحت تأثير السياسيين والإعلام المعادي لدول أوبك، ورسم الجميع صورة قاتمة عن النفط والغاز وأن الشركات النفطية عبارة عن وحوش جشعة تلوث الكوكب وتسرق ثرواته بينما الحقيقة هي أن الشركات النفطية ساهمت بشكل كبير في رخاء الإنسانية وإيصال الطاقة إلى شرائح من المجتمع فقيرة بالطاقة ولا يزال هناك 3 مليارات شخص على هذا الكوكب أو يزيدون لا يوجد لديهم أي منفذ للطاقة وكلنا لدينا مسؤولية تجاههم.
نعم يمكن توفير الطاقة المتجددة لهم ولكن هي ليست الحل اليوم ولن تكون الحل خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة بل ستكون أحد الحلول لمشاكل أمن وفقر الطاقة القائم اليوم إذ أن الطلب سيظل في ازدياد على النفط والغاز وليس النفط وحسب وكل هذا يحتاج إلى استثمارات.