حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

نهاية شهر العسل

منذ أيام قليلة حدث توقف مفاجئ لبرامج التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار وشديدة الفعالية والتأثير «فيسبوك» و«واتساب» و«إنستغرام»، وشعر عدد غير بسيط من المستخدمين بإحساس يشبه «الشلل» في قدرة التواصل والمتابعة مع الغير، لأن الاعتماد أصبح شبه مطلق على هذه المواقع. وعادت المواقع لتعمل مجدداً، وإن بقي هذا العطل مبهماً وبلا تفسير لما حصل.
واقع الأمر أن هناك «ردة» ضد هذه المواقع وغيرها بعد أكثر من موقف أثار ردود فعل غاضبة من الجماهير؛ خاصة بعد ظاهرة الأخبار الكاذبة التي ساهم في نشرها «فيسبوك»، واتهم بأنه ساعد الروس على التأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، وكذلك انتشار شريط الفيديو بأسلوب حي ومباشر على الهواء، الخاص بالحادث الإرهابي الذي حصل أثناء الاعتداء على المصلين في المسجدين بمدينة كرايستشيرتش في نيوزيلندا، وحوادث الانتحار وخطابات الكراهية والتطرف.
اليوم الحال تتبدل والأصوات الشعبية ترتفع لإخضاع هذه الشركات التقنية العملاقة إلى سلطة القانون وتحملها جزءاً رئيسياً من المسؤولية لما تحمله مواقعها. هذه الشركات التي كانت «سندريلا» قصص النجاح ومصدر الفخر والاعتزاز تعاني اليوم من مواقف شعبية ورسمية لم تألفها. منذ عشر سنوات حكمت محكمة إيطالية على ثلاثة تنفيذيين من شركة «غوغل» المالكة لموقع «يوتيوب» المؤثر بالسجن لمدة ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، لأن السوق سمحت بنشر شريط فيديو لأحد المستخدمين عن طفل توحدي، وهو يتعرض لتنمر عنيف. اعتبر هذا الحكم خطوة استباقية ومتقدمة ونبوءة قانونية مبشرة لما هو آت.
في دفاعها عن نفسها تستخدم هذه المواقع عبارة أن حق الحرية مكفول، وأن أي تدخل منها هو مساس مباشر بحرية الرأي والكلمة، والذي يعتبر القاعدة الأساسية للفكر الليبرالي في الغرب. ولكن كما يجري بحثه واضح أن خطاب الكراهية والتطرف والجنس المتوحش والاتجار المسيء، استغل هذه القاعدة للترويج لغاياته بشكل يوضح عملياً فكرة أن «الغاية تبرر الوسيلة»، ولا يقتصر هذا التحول الجديد على مسألة قواعد النشر وحرياته وحدوده، ولكنه يصل إلى مسألة «حجم» الشركات ومناطق السيادة وخضوعها الضريبي.
هناك قناعات متزايدة لدى عدد غير بسيط من صناع القرار السياسي في الغرب بأن هذه الشركات كبرت بشكل خطير، وبحاجة لأن يتم تقسيمها وتفتيتها لحماية السوق والمنافسين من احتكارها ونفوذها، تماماً كما حصل مع غيرها في السابق. وهذا هو الاقتراح الذي تتبناه وتروج له بقوة نائبة الكونغرس الأميركي والمرشحة الرئاسية الحالية السيدة إليزابيث وارن. أضف إلى ذلك وجود قناعات كبيرة في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، وفي واشنطن أيضاً، بأن هذه الشركات لا تسدد حصتها «الحقيقية والعادلة» من الضرائب، وأنها تستغل عملها في العالم الافتراضي (خصوصاً «أمازون» وما تقوم به من تجارة إلكترونية) فتهرب من سداد الضرائب بعدالة وكفاءة كما يجب.
على ما يبدو أن شهر العسل الطويل الذي تمتعت به هذه الشركات قد اقترب من النهاية، وقد يكون لذلك تبعات لافتة على صناعة ونماذج الأعمال تتبعها.
القانون سيد الموقف والعدل أساس القانون. متى ما حصل انحراف عن الصالح العام لا بد من تدخل القانون لتحقيق العدل.