حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

سلاح الدولار والطلاسم!

أهم سلاح في ترسانة الولايات المتحدة ليس القوى النووية، ولا القوة الإعلامية، ولا صناعة التقنية الحديثة، ولا السينما والترفيه ولا الاقتصاد الأقوى في العالم، ولا الاختراعات والعلوم والأبحاث؛ إنه ببساطة «الدولار». الإبقاء على الدولار كالعملة الأولى والأكثر تداولاً حول العالم، هو أقوى وسائل تمكين أميركا من ممارسة النفوذ السياسي والاقتصادي العابر للقارات بقوة وفعالية وتأثير.
العام الماضي ارتفع الدولار الأميركي بنسبة 7% مقابل عدد عريض من العملات، و4% مقابل عملات الدول الغنية، وهذا في العرف النقدي يعتبر مرتفعاً ومعرضاً للهبوط، وما يرتفع لا بد أن يسقط ويهبط. أكثر من تحليل اقتصادي معتبر يتوقع أن يحصل هبوط ملموس في النمو الاقتصادي في أميركا، لأن الصعود في الاقتصاد العام الماضي كان له علاقة مباشرة بالحوافز الضريبية، وهذا الأثر لن يدوم. ستستجد بعض المعطيات، مثل زيادة الفائدة من البنك المركزي وكذلك أسعار النفط. كما أن معدلات «ارتفاع» سوق الأسهم الأميركية ارتفعت بشكل مقلق ومؤثر حتى أصابت شركات الإنترنت والتقنية العملاقة بالضرر. و«بريكست» وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيجعل المضاربة بين اليورو والإسترليني على حساب الدولار في القارة الأوروبية. وطبعاً هناك مسلسل المباحثات المستمر بين الصين وأميركا للوصول إلى حل لحسم الحرب التجارية بينهما، وهذا الأمر سيكون له انعكاس على أسعار الدولار والإقبال الدولي عليه، ومدى قدرة أميركا على الاستمرار في إغراق السوق الآسيوية بالدولارات كما هي تفعل لإبقائه العملة الأولى والأكثر تداولاً.
الصين من جهة ثانية تحاول أن تضع لعملتها موضع قدم في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية لاعتمادها كبديل حقيقي للدولار. هبوط الدولار في قيمته أمر متوقع ومنتظر سيكون نتاج أحداث سياسية واقتصادية متفرقة، وسيكون أثر ذلك واضحاً على أسعار الين الياباني والفرنك السويسري والذهب، لأن اليورو سيبقى ضعيفاً وهشاً لظروف القارة الأوروبية المضطربة سياسياً واقتصادياً. وستظل الأسواق الناشئة فرصة الجذب الأكبر للاستثمارات الدولارية لقوة هذه الأسواق على تحقيق أفضل العوائد.
الصراع سيأخذ شكلاً عنيفاً على الساحة الاقتصادية في سنة انتخابية حادة الملامح في أميركا، يكون الشد والجذب فيها بين قوى السوق الرأسمالية والمؤثرات السياسية. وتدرك الإدارة الحالية تماماً أن تذكرة نجاحها للعودة مجدداً والبقاء في سدة الحكم بالبيت الأبيض هو استقرار ونمو اقتصادي وعدم المساس به لأن الهزة السلبية ستؤثر على فرص الفوز مجدداً لترمب وفريقه. الدولار أقوى سلاح في الترسانة الأميركية وأي هزة فيه سيكون لها تبعات عالمية في أسواق المال والاقتصاد وأثر ملموس في السياسة الأميركية. تابعوا وضع الدولار في 2019 فهو مفتاح لفك شفرات الكثير من الألغاز والطلاسم في دهاليز السياسة وكواليسها.
حرب العملات هي واجهة الحرب الاقتصادية، فهي حرب ذات فعالية وتأثير لا يمكن إنكارهما، إضافة إلى أنه للآن لم يأت البديل الحقيقي للدولار الأميركي. السؤال هو: إلى متى يبقى هذا الوضع؟