زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

السعودية... آثار ما قبل الإسلام

لم يكن أحد يتصور أننا سوف نرى هذا اليوم الذي سوف تهتم فيه المملكة العربية السعودية بآثار ما قبل الإسلام؛ وذلك لأنه كان هناك اعتقاد لدى الأهالي بأن هذه الآثار لا تُزار لأنها تعود إلى فترة الجاهلية. وللأسف يتداول هذا الموضوع العديد من المسلمين في البلاد العربية. وقد شاهدنا في مصر عقب أحداث 2011 أن البعض أعلن أن الأهرامات وأبو الهول يجب تغطيتها بالكامل! بل وقال البعض أيضاً إن عمرو بن العاص عندما جاء إلى مصر لم يكن معه من القنابل والمعدات الموجودة اليوم؛ لذلك لم يهدم الأهرامات! وهذا في الوقت الذي تناسى البعض أن القرآن الكريم قد حث على معرفة التاريخ وأحداثه وزيارة الآثار، وأن الدين الإسلامي هو آخر الأديان السماوية العظيمة. إن ما قام به الأمير سلطان بن سلمان، عندما كان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المملكة العربية السعودية، من احترام آثار ما قبل الإسلام وجعل المواطن السعودي يزور هذه المواقع لأول مرة، لهو الإنجاز الحقيقي. وإذا ذهبنا إلى مدائن صالح، نجد العديد من المواطنين يزورون هذا الموقع الفريد. وعندما ذهبت، ومعي صديقي الدكتور خالد العناني، وزير الآثار المصري، لحضور ملتقى الآثار بالسعودية، وجدت أن مئات المواطنين حضروا للتكريم؛ لأنهم أعادوا مئات القطع الأثرية إلى الهيئة، بل وحضروا المحاضرات، وأصبحوا فخورين بالمملكة العربية السعودية ذات التاريخ العظيم. وعندما تخيل الأمير سلطان أنه يمكن تغيير نظرة المجتمع السعودي تجاه آثار ما قبل الإسلام، فقد كان واثقاً من ذلك؛ لأن هذا التغيير هو حلم يمكن تحقيقه. وفي نفس الوقت، وجدت أن وكالات الأنباء، بل والمجتمع الدولي، يشيدان بدور المملكة العربية السعودية في هذا الصدد؛ لأن هناك اهتماماً غير عادي بآثار ما قبل الإسلام بعد أن تعرضت في الماضي إلى إهمال شديد، بل ولم يكن أي شخص حتى يذكر أسماء المناطق الأثرية.
والآن يتم تغيير نظرة المواطن السعودي، الذي كان يعتبر هذه الآثار مجرد أصنام ولا يعيرها أي اهتمام، إلى اعتبارها آثاراً تخص تاريخه، بل وتظهر عظمته وعظمة بلاده وريادتها الثقافية والأثرية. واستطاع الأمير سلطان أن يخصص ملايين الدولارات للحفاظ على الآثار وترميمها وإعادة صيانة المناطق الأثرية وبناء المتاحف التي تعرض فيها هذه الآثار، بل وإقامة معارض خارجية في أميركا واليابان وأوروبا تظهر عظمة هذه الحضارة واهتمام المملكة المتزايد بها. وأعتقد أن ما يتم الآن يسير على نهج الخطوات الجادة التي يقوم بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وقد سمعنا أن الموقع الأثري المهم في منطقة الأحساء قد أصبح مدرجاً على قائمة «اليونيسكو» للتراث العالمي، وهناك مواقع أخرى أثرية أُدرجت على قوائم التراث العالمي.
إن ما يحدث في المملكة الآن، وما قام به الأمير سلطان من مجهود في سبيل الحفاظ على تراث المملكة سواء التراث الذي يعود إلى فترة ما قبل الإسلام أو ما بعده، يعتبر نهضة ورسالة للعالم كله بأن آثار المملكة لا تخص السعودية فقط، بل تخص العالم أجمع.
فتحية احترام وتقدير لتلك الجهود المخلصة والمشرفة التي تظهر وجه الإسلامي المتحضر ووجه السعودية المشرق والواعد بالكثير من الطموحات والآمال لتحقيق الخيال الممكن عبر اقتحام سماوات المستحيل. وأعتقد أنني حتى الآن لم أظهر للعالم العربي ما يتم من أعمال جادة في ترميم وحماية الآثار السعودية ولكن ليس لديّ شيء غير أن أعلن أن هناك ضرورة لإعطاء وسام الاحترام لكل من ساهم في هذا العمل العظيم.