فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

إيران والأسد: مشكلة روسيا في سوريا

تسجل مناسبة الذكرى التاسعة لثورة السوريين بدايةً لعام تاسع في وقوف موسكو إلى جانب نظام الأسد، وهو موقف قاد (إلى جانب عوامل أخرى) موسكو في أواخر عام 2015 إلى انخراط روسي أعمق في الوحل السوري، عبر التدخل العسكري المباشر، والانضمام إلى تحالف ثلاثي يجمع روسيا ونظام الأسد وإيران لمنع احتمالات سقوط الأسد وهزيمة إيران في سوريا.
غير أن مناسبة وقوف روسيا إلى جانب نظام الأسد لهذا العام لها طعم ونكهة مختلفة، بما تحمله من مشكلات تحيط بعلاقات روسيا مع نظام الأسد وحليفه الإيراني، تمثل الأهم في إطار مشكلات أحاطت بتدخل روسيا في سوريا، وأخذت في التفاقم والتصاعد بعد تدخلها العسكري وصولاً إلى اللحظة الراهنة. وإذ توزعت المشكلات بين داخلية وأخرى خارجية، فقد كان من السهل على موسكو معالجة مشكلاتها الداخلية، بل إنها وظفت بعض مشكلاتها الجديدة في معالجة مشكلات مزمنة.
وركزت في جانب آخر على إشارات منها لمجيء متطرفين من الشيشان إلى سوريا، فيما كانت تروج تقارير عن دور موسكو للتخلص منهم عبر تسهيل مرورهم. ومن الأمثلة أيضاً، أن جعلت موسكو تكاليف عملياتها العسكرية في سوريا جزءاً من ميزانية التدريب للقوات الروسية، وجعلت من تلك العمليات ميداناً للإعلان عن الأسلحة الروسية وترويجها في العالم، وحولت اتفاقاتها مع نظام الأسد، التي تعددت مجالاتها السياسية والعسكرية - الأمنية والاقتصادية إلى قوة داعمة لسياساتها، تساعد في استراتيجية تمدد روسيا شرق المتوسط.
وإذا كانت موسكو حولت مشكلات داخلية إلى إيجابيات، أو همشت تلك المشكلات، فإنها فعلت شيئاً قريباً في التعامل مع مشكلات خارجية تتصل بتدخلها في سوريا، وهذا ما حصل في معظم علاقاتها الدولية والإقليمية المتصلة. ففي العلاقة مع الولايات المتحدة، استطاعت موسكو الحصول على تفويض أميركي لسياستها السورية، ولم يكن يعيب هذا التفويض تصريح أميركي هنا أو هناك؛ اضطرت موسكو لمسايرته حيناً، أو الرد عليه، أو تجاهله في أحيان أخرى، لكنها في مطلق الأحوال حافظت على خط اتصال وتوافق مع واشنطن في الموضوع السوري. وقريباً من هذه السياسة، تواصلت سياسة موسكو مع الدول الأوروبية، التي لا شك أنها تربط سياساتها، خصوصاً في الموضوعات الساخنة، بالسياسة الأميركية، ولا تستطيع الانشقاق عنها، وإن كانت تأخذ لنفسها هوامش، فإن الهوامش المتصلة بمواقفها من السياسات الروسية في سوريا لم تكن كبيرة إزاء الموقف الأميركي.
وخلاف فكرة الليونة والوقوف في نقطة الوسط في التعامل مع المشكلات الناجمة عن تدخلها في سوريا مع الأميركيين والأوروبيين، فقد اتخذت موسكو موقفين حادين في تعاملها في المحيط الإقليمي. فمن جهة أولى خففت تلك المشكلات، وتجاوزت الساخن فيها مع كل من تركيا وإسرائيل، بحيث حولتهما إلى شريكين مدللين، رغم بلوغ مشكلات موسكو مع كل واحد منهما مرات حدود الانفجار العسكري، ودعمت مساعي تركيا لتعزيز وجودها ودورها في القضية السورية، وأطلقت يد إسرائيل العسكرية في سوريا. ورغم أن الأمر في الحالتين، لا يتعلق فقط بالموضوع السوري، فإنه لا يمكن إغفال الأخير في الموقف الروسي من السياستين التركية والإسرائيلية.
والموقف الروسي الإقليمي الآخر، يمثله تعامل موسكو مع البلدان العربية، التي اتخذت موقفاً مضاداً لنظام الأسد وللتدخل الإيراني، وقد اتخذت موسكو موقفاً متشدداً في تعاملها مع هذه البلدان، بل إنها رفضت مرات مناقشة مواقف وسياسات روسية مع تلك البلدان، قبل أن تلجأ موسكو مؤخراً إلى ترطيب علاقاتها الخليجية عبر الجولة الخليجية الأخيرة لوزير الخارجية الروسي لافروف في تمهيد لجولة رئاسية روسية في بلدان الخليج العربية، ما يمكن أن يبدل القواعد الروسية في التعامل مع مشكلات روسيا الخليجية.
وكما هو واضح، فإن أغلب مشكلات موسكو المتصلة بسوريا، تمت معالجتها، أو استيعابها، وربما تحويلها إلى إيجابيات، بخلاف مشكلات موسكو مع كل من إيران ونظام الأسد، التي أخذت مساراً مختلفاً، فاتجه معظمها للتفاقم، بل إن التعبير عن بعضها وصل إلى حد صراعات علنية ومباشرة.
ويمتد إطار المشكلات الروسية مع الحليفين في كل الاتجاهات؛ إذ هناك خلافات حول إطار حل الصراع في سوريا، واختلاف في الموقف من بقاء بشار الأسد على رأس النظام، وخلافات حول طبيعة النظام وعلاقاته الإقليمية والدولية، وخلافات حول عودة اللاجئين، وفي موضوع إعادة الإعمار، ووجود القوات الأجنبية على الأرض السورية. وثمة خلافات تتعلق بإعادة تنظيم القوى المسلحة والأمنية، وكله بعض من مشكلات تتسع وتتصاعد، رغم أن جهوداً مختلفة، خصوصاً من الجانب الروسي، تبذل لإبقاء الخلافات والصراعات في حدود، إن لم يكن بالإمكان معالجتها.
وطبقاً للوقائع، فإن من الصعب، بل من المستحيل، قيام روسيا المحكومة باعتبارها إحدى أكبر وأقوى الدول في العالم بجعل سياساتها تساير سياسات ملالي إيران ونظام الأسد، وأن تصبح أداة في أيديهم على نحو ما يرغبون، وهو العامل الأساسي الذي يباعد اليوم بين روسيا وحليفيها. والعامل الثاني، هو أن روسيا لديها رؤية حول القضية السورية وفق «آستانة» و«سوتشي»؛ تقوم على تفاهمات ومفاوضات وإجراءات مع أطراف مختلفة وصولاً إلى حلول سياسية، ولديها أيضاً بدائل تتشارك فيها مع قوى دولية وإقليمية على نحو ما هو «مسار جنيف»، لكن نظامي الملالي والأسد، يعارضان الإطارين، وليس لديهما سوى استمرار سياسة القوة والإرهاب لإخضاع السوريين، وفرض وجودهما على المجتمع الدولي، بل الأسد في أكثر من تصريح له، أكد أن الجميع سوف يقبلون به، وبعضهم «سوف يعتذر». ولعل هذا يبين جوهر مشكلة روسيا مع حليفيها الإيراني والسوري.