مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

صراع القوى في الشركات يحرّك الحكومات

لا شك أن المنافسة تعتمد على قانون العرض والطلب، فإذا كان الطلب أكبر من العرض فإن الثمن يرتفع، ومن هنا يظل في وضع تعاقبٍ مستمر بين النشاط الزائد والانهيار، حيث كل ما يُفقد هنا يُكسب هناك، وهذه أعجوبة الاقتصادي. والاقتصاد هو المؤثر الرئيسي على المشهد السياسي وصانعه والمسيطر على الصناعات الأساسية، وبناءً عليه أشعل ترمب فتيل الحرب التجارية.
وفي إطار هذه الحرب دخلت «هواوي» مجال المنافسة بين القوى لتجد لها موقعاً في قلب الموقف السياسي، فهي تنافس على صناعة الهواتف الذكية، وقد استحوذت على 15% من السوق العالمية، وهكذا الاقتصاد السياسي يبدأ بالتظاهر ومن ثم الاعتراف بقدرة الإنسان وخصائص الملكية الخاصة، ويطرح جانباً التناقضات التي تزعجه وتزعج الآخرين معه، وليس هناك شك في أن «هواوي» تحتل المرتبة الثانية بعد «سامسونغ» وتتفوق على «أبل» وفي الوقت نفسه تطرح «هواوي» معالجها المدعوم بالذكاء الصناعي الأكثر سرعة وسلاسة في عالم الهواتف الذكية.
من هنا، بدأت الشركة في تصنيع أجهزة متعلقة بشبكات الهواتف الجوالة، وحققت نمواً سريعاً في هذا المجال لتتفوق على نظيرتيها «نوكيا» و«إريكسون»، ما جعلها إحدى الشركات الرائدة عالمياً. فحقيقة علاقة المنافسة هي علاقة قوة الاستهلاك وارتباطه بقوة الإنتاج، وفي ضوء القوة الإنتاجية وارتباطها بكتلة المستهلكين التي تحدد ظروف المنافسة.
وفي ظل هذه الطاقة الإنتاجية الهائلة تصاعدت حدة التوتر والتحذيرات من حكومة ترمب متمثلةً في وزير الخارجية مايك بومبيو، لحلفاء بلاده من استخدام معدات من شركة «هواوي» على أراضيهم، قائلاً إن ذلك سيجعل من الصعب على واشنطن «اتخاذهم شركاء»، وهذا يعد جزءاً من الحرب التجارية وصراع القوى في الشركات التي أصبحت تحرك الحكومات.
وتُظهر الدلائل التي جرى استعراضها من خلال هذه الحرب تكرار التحذير من واشنطن لبرلين من أن استخدامها «جهات غير موثوق بها» لإنشاء بنيتها التحتية للجيل الخامس من الاتصالات سيضرّ بتبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين، وسط نقاش محوره ما إذا كانت شركة «هواوي» الصينية يمكن أن تشكل تهديداً بالتجسس على البلاد، وبلا أدنى شك تضاف هذه التحذيرات إلى ملف الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وبالتالي كشف الاقتصاد السياسي عن خصائص الملكية الخاصة، كأنها تريد أن تطيح بكل قيد ورابطة حتى تضع نفسها مكانها باعتبارها السياسة الوحيدة، وتريد تطوير فكرة العمل تطويراً أكثر أحادية، وتتفرد بالأمر والسيطرة دون أن تزعجها التناقضات والعواقب، حيث واصلت الولايات المتحدة إقناع أستراليا ونيوزيلندا وكندا بالسير على نفس النهج لإيقاف توفير تكنولوجيا الجيل الخامس لشبكات المحمول، والاصطفاف مع أميركا في حربها التجارية للزج بتكهنات تفيد بأن منتجات «هواوي» تشكل خطراً أمنياً.
وأمثلة أخرى من الاعترافات نختار منها ما قاله الخبير في شركة الأبحاث البريطانية «ستيفان تيرال» من أن منع «هواوي» من تنفيذ مشاريع الجيل الخامس سيُسبب فراغاً في الأسواق الأوروبية، ولا يمكن لأي طرف آخر سده في وقت قريب، وأن هذا المنع سيعرقل عمليات تنفيذ مشاريع الجيل الخامس على مستوى عالمي.
ولكنّ مؤسس الشركة رن تشنغ في أكد أن العالم «لا يمكنه ترك منتجات الشركة لأنها أكثر تطوراً». وواصل الدفاع عن شركته ولم يعبئه بتحذير واشنطن وغيرها من دول أوروبا، قائلاً: «إذا انطفأت الأضواء في الغرب، فإن الشرق سيستمر مضاءً، وإذا ساد الظلام في الشمال فالجنوب ما زال باقياً، أميركا لا تمثل العالم، بل هي جزء من العالم».
لا يمكن لأي محلل سياسي أو اقتصادي يرى غير أن مفهوم الاستبداد لا يمثل مفهوماً علمياً، وإنما مفهوماً آيديولوجياً يجسد النزاعات السياسية ويشوّه معنى التنافس ويزيد من وتيرة التعارض ويضاعف التضاد في ما بينها، وبذلك يخفت الضوء الجديد في الاقتصاديات، فهل نستطيع أن نتنبأ بنتيجة الحروب على الحصص السوقية في نهاية المطاف؟ وهل هذا شيء يصبُّ في مصلحة الأسواق التي تستثمر فيها شركات التقنية وتعد أسواقاً رائجة وتجارة رابحة تحت مظلة هذه الحرب؟