وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

النفط الصخري سوق بلا عقل

حتى اليوم، تهيمن شركات مستقلة مثل «بايونير» و«كونتينتال ريسورسز» و«لاريدو»، وغيرها على إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، وهو عكس ما نتوقعه، حيث إن الشركات الكبرى مثل «إكسون موبيل» و«بريتيش بتروليوم» و«شيفرون» هي دائماً صاحبة الهيمنة.
وبدأت المعادلة الحالية تتغير، حيث رفعت الشركات الكبرى توقعاتها للإنتاج من مناطق النفط الصخري في حوض البيرميان في ولاية تكساس الذي يعتبر أهم منطقة في أميركا الشمالية، تليه منطقة إيغل فورد في تكساس، ومنطقة الباكين في ولاية داكوتا الشمالية.
وعدلت «إكسون موبيل» قبل أيام قليلة أرقامها المستهدفة من النفط الصخري لتصل إلى مليون برميل يومياً بحلول عام 2024 بدلاً من الرقم السابق عند 600 ألف برميل يومياً، في حين تتوقع «شيفرون» أن يصل إنتاجها إلى 900 ألف برميل يومياً في 2023 بدلاً من 650 ألف برميل.
هذا التحول المفاجئ يزيد من الآمال بأن تظل الولايات المتحدة المنتج الأكبر في العالم لخمس سنوات مقبلة على الأقل، لكن هل الأمور بهذه البساطة؟
إننا في كثير من الأحيان ننجرف وراء التصريحات الرسمية من الشركات ومن الجهات الحكومية والمنظمات من دون أن نضع في الحسبان ولو بشكل بسيط بعض المخاطر الفنية التي تواجهها الشركات العاملة في هذا المجال.
إن صناعة النفط الصخري هي «سوق بلا عقل» كما يصفها بوب دادلي، الرئيس التنفيذي لـ«بريتيش بتروليوم»؛ لأن الشركات تنتج على أساس الإشارات السعرية للنفط وليس على أساس العرض والطلب. ولهذا؛ تفكير شركات النفط الصخري دائماً قصير الأجل ويساعدهم في ذلك طرق الإنتاج؛ إذ كل ما يتوجب عليهم فعله هو تحريك الحفارة إلى الموقع وبدء الحفر، أو سحبها من الموقع؛ إذ لم يعد هناك حاجة إلى ذلك.
هذا الأمر هو سر نجاح شركات النفط الصخري بعكس شركات النفط التقليدي؛ وذلك لأن إنتاج الأخير يتطلب دراسة للمكامن وبناء محطات معالجة، والكثير من الأمور الأخرى؛ من أجل الحفاظ على صحة المكامن. أما النفط الصخري فيتم استخراجه بالتكسير الهيدروليكي للصخور، وهذا لا يتطلب الحفاظ على المكامن وإطالة عمرها.
لكن الأمور بدأت في التغير، بحسب ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأسبوع الماضي، التي قالت في تقرير لها: إن شركات النفط الصخري تعاني من مشكلات إنتاجية بسبب حفر المزيد من الآبار المتلاصقة؛ وذلك لأن أعمال التكسير الهيدروليكي للصخور يقلل من إنتاجية الآبار الجديدة إذا تم حفرها على مقربة من الآبار القديمة.
والحل هو المباعدة بين الآبار بشكل كبير، لكن بالنسبة لصناعة تعتمد على حفر المزيد من الآبار لأن معدل إنتاج الآبار يهبط بشكل كبير في أول عام، فإن الأمر صعب لأن زيادة إنتاج النفط الصخري تعتمد على المساحة وعلى عدد الآبار.
ويشكل البيرميان اليوم نحو ثلث إنتاج أميركا بعد وصوله إلى ما يقارب من 4 ملايين برميل يومياً، وهذا معدل يفوق إنتاج الكويت أو الإمارات العربية المتحدة، ويقارب بشكل كبير من إنتاج حقل مثل الغوار السعودي والذي يضخ نحو 5 ملايين برميل يومياً.
وتتوقع شركة «ريستاد»، أن الولايات المتحدة ستضيف مليون برميل يومياً من النفط الخام في صورة إنتاج جديد كل عام حتى نهاية العقد المقبل، أي خلال الأحد عشر عاماً المقبلة.
وهناك مخاطر أخرى بالنسبة للنفط الصخري، وهي شح التمويل لأنها صناعة قائمة على الاقتراض من المصارف. وبحسب تقرير سابق لـ«وول ستريت جورنال»، فإن شركات النفط الصخري جمعت 22 مليار دولار في صورة ملكية وديون (إصدار أسهم أو سندات أو اقتراض) في عام 2018، وهذا نصف الرقم الذي تم جمعه في 2016 وثلثه في عام 2012.
وهناك تخوف من أن يؤدي هذا الأمر إلى تباطؤ في القدرات الإنتاجية لهذه الشركات، لكن الأرقام تظهر أن إنتاج أميركا ازداد في الربع الأخير من العام الماضي ووصل إلى 11.8 مليون برميل يومياً في ديسمبر (كانون الأول) و11.9 في نوفمبر (تشرين الثاني)، وقد تكون هذه ظاهرة مؤقتة وليست دائمة.
والربحية بدأت تتحسن في بعض مناطق النفط الصخري وبخاصة منطقة البيرميان، إلا أن هذا لا يعني أن الوضع خارج البيرميان (وردي) كما هو عليه هناك. وهو ما جعل شركة «شيفرون» وشركة «إكسون موبيل» تركزان على البيرميان دون غيره.
نعم، هناك إنتاج كبير وثورة كبيرة في الولايات المتحدة، لكن هذا لا يعني أننا في خارج أميركا نرى الصورة الكاملة لما هي عليه الأمور، ولا يمكن أن يعتمد العالم في مستقبله الطاقوي على «سوق بلا عقل»، وهذا ما يجعل دور منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) مهماً، شرط أن توحد «أوبك» مواقفها وتخطط للمستقبل بشكل أفضل.