سام منسى
إعلامي لبناني قدم لعدة سنوات برنامجا حواريا سياسيا في قناة الحرة. المدير العام لإذاعة "صوت لبنان" سابقا والمدير التنفيذي السابق لـ"بيت المستقبل"، وكاتب عمود في "الشرق الأوسط". مهتم بجمع ومعالجة البيانات المتعلقة بشؤون الشرق الأوسط، خصوصاً الجوانب السياسية والاجتماعية للتنمية العربية.
TT

نتنياهو وبوتين ومرحلة المراوحة

من قمة دونالد ترمب وكيم جونغ أون إلى قمة فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو، يبدو أن المراوحة باتت السمة النافرة للمرحلة الراهنة. الرئيس ترمب يعود إلى واشنطن حاملاً آمالاً ووعوداً ليس إلا، ونتنياهو يعود إلى تل أبيب بتفاهم غامض رمادي على غرار سابقاته يقضي بتشكيل فريق عمل يمثل الكثير من الدول ليعكف على قضية إخراج القوات الأجنبية من سوريا، دون تخصيص علني لإيران.
زيارة نتنياهو إلى موسكو هي الرقم 11 منذ التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية، والأولى بعد إسقاط الطائرة الروسية التي تتهم موسكو إسرائيل بالتسبب في ذلك، وتأتي في سياق عدد من العوامل المؤثرة؛ أهمها ثلاثة: الانتخابات البرلمانية في إسرائيل في شهر أبريل (نيسان) المقبل، والعلاقات الأميركية الروسية المتشنجة، لا سيما بالنسبة إلى الأزمة السورية، والتباينات الروسية - الإيرانية التي بدأت تطفو على السطح.
تتميز الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة بتطورين لافتين في تاريخ إسرائيل السياسي؛ الأول هو تشكّل تحالف معارض في وجه نتنياهو يضم لأول مرة ثلاثة من قادة الجيش السابقين، والثاني الاتهام العدلي الجرمي الذي قد يصدر ضد نتنياهو. فالتنافس الانتخابي يجري بين حصاني سباق رئيسيين هما تكتل «الليكود» وتكتل «الأزرق والأبيض»، وعلى رأسه الجنرال غانتس. ومن نافل القول إنه لا تمكن مقاربة زيارة نتنياهو إلى موسكو خارج المحاولات المستميتة التي يقوم بها للاحتفاظ برئاسة الحكومة، ليكون في حال تحقق له ذلك أول رئيس حكومة إسرائيلي يحتفظ بمنصبه خمس ولايات. هذه الاستماتة قد تدفعه إلى افتعال إشكال أمني لتعزيز مقولة إنه الأقدر على الدفاع عن أمن إسرائيل، والأكثر ترجيحاً أن يستهدف غزة كونها الأقل تكلفة على عسكره. وقد تدفعه أيضاً إلى التحالف مع الحزب اليميني المتطرف والعنصري من أتباع مائير كاهانا، على الرغم من أنه مكروه ومنبوذ من غالبية الإسرائيليين واليهود، لا سيما الأميركيين منهم، ما قد يعرض مصالح إسرائيل العليا مع واشنطن للاضطراب.
إضافة إلى ذلك، تكتسي نتائج هذه الانتخابات أهمية كبرى لجهة تأثيرها على مسار الأوضاع الإقليمية. فإذا تحقق الفوز لغانتس، من المرجح أن يضع حداً لسياسة نتنياهو في الملف الفلسطيني، والقائمة على المراوحة و«الستاتيكو»، ويطلق مفاوضات جديدة في محاولة لإيجاد تسوية مع الفلسطينيين، وإذا لم يقدر لهذه التسوية أن تتم بفعل معوقات كثيرة؛ أبرزها التعطيل الذي قد تمارسه قوى «الممانعة» في المنطقة، فإن القيادة الإسرائيلية الجديدة قد تعمد إلى محاولة تغيير الأوضاع في المنطقة بالعامل العسكري، وفي الحالتين، سواء التسوية مع الفلسطينيين (في سياق ما يروج عن «صفقة القرن»)، أو العمل العسكري في ظل الوجود الإيراني على الحدود الإسرائيلية، فالمعادلات في المنطقة مرجحة إذن للتغير بشكل جذري وغير مسبوق.
في السياق نفسه، لا يستطيع غانتس رفض «صفقة القرن» لتسوية النزاع العربي الإسرائيلي، المزمع إطلاقها بعد الانتخابات، التي من المتوقع ألا ترضي الجانب الفلسطيني، رغم أنها أقل مما قد يقدمه للفلسطينيين، بينما قد يوافق نتنياهو عليها لسبب وحيد، وهو إحراج الجانب الفلسطيني والانتقام منه والإمعان في عزله.
بالنسبة إلى العامل الثاني المؤثر في هذه الزيارة، أي العلاقات الأميركية الروسية، لا سيما بالنسبة إلى الأزمة السورية، فهي ما تزال ملتبسة. فسياسة واشنطن يتنازعها اتجاهان؛ الأول هو الرئيس ترمب والبنتاغون، والمبني على القناعة بإمكانية التفاهم مع موسكو على تسوية الأزمة السورية، أو إدارتها وفق الحد الأدنى الذي يرضي واشنطن، والثاني اتجاه فريق وزير الخارجية مايك بومبيو ورئيس مجلس الأمن القومي جون بولتون، وكلاهما لا يؤمن بذلك ولا يرغب فيه. إضافة إلى أن روسيا غير مقتنعة أن واشنطن راغبة حقاً في أن تقدم لها بالمقابل ما يرضيها ويضمن مصالحها. إلى هذا، فإن الوقائع اليومية ترجح وجود إشكالات كثيرة بين الأجهزة الروسية والأميركية في سوريا وخارج الساحة السورية، وكل ذلك يشكل عوائق جدية أمام تفاهمات واقعية أميركية روسية.
أما العامل الثالث، أي التباينات التي بدأت تظهر إلى العلن بين موسكو وطهران، التي وعلى الرغم من ضرورة عدم الإسراف والمبالغة في توظيفها، فقد تجاوزت حدود التململ الروسي من عنجهية الأداء الإيراني في سوريا وغطرسته، وقد تكون الضغوط التي تتعرض لها إيران جراء العقوبات الأميركية، وتأثيرها على الأوضاع الداخلية، قد فاقمت هذه التباينات.
وفي هذا الإطار، تبرز زيارة الرئيس بشار الأسد إلى طهران، اللافتة بالشكل، والمفاجئة بتدعياتها كاستقالة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، والعودة عنها، ووصف الأسد في صحيفة «غانون» المقربة من الإصلاحيين بأنه «زائر غير مرغوب فيه». هذه الزيارة تشير إلى أجواء التشدد التي تميز الأداء الإيراني الحالي، وستظل في المستقبل القريب على أقل تقدير، سواء في الداخل الإيراني، كما في سياسة النظام خارج إيران، لا سيما في المناطق الذي يسعى إلى التمدد فيها.
إن هذا السرد قد يؤدي أقله إلى انطباع مفاده انعدام الخطوات الاستراتيجية لدى الأطراف المنغمسة في المنطقة كافة، وهذا ما يريح ويساعد اللاعبين الذين يتقنون ويفضلون الخطوات التكتيكية على الاستراتيجيا والرؤية بعيدة الأمد، أي روسيا وإيران ورئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو في حال فوزه في الانتخابات المقبلة، ما قد يعني في المحصلة أن الوصول إلى وضع مستدام ومستقر لا يزال متعثراً.
إلا أن خلاصة ما تقدم تبقى أن المراوحة طاغية، والمستقبل قد ترسمه عوامل ثلاثة سوف تحدد مسار الأحداث في الإقليم، وهي:
1 - نتائج الانتخابات الإسرائيلية، التي قد تجدد السياسة الإسرائيلية الحالية المبنية على احتواء الوضع الراهن في سوريا ولبنان، واعتماد الضربات المحددة لمنع اختلال ميزان القوى في المنطقة، وعدم السماح بتهديد جدي لأمن إسرائيل. أما فوز غانتس، فسوف يفتح الأبواب أمام تطورات جديدة على صعيد التسوية أو الحرب والتداعيات المتأتية عن كل منهما.
2 - ما سوف يصدر عن إدارة الرئيس ترمب إزاء النظر في العقوبات ضد إيران، المتوقع أن يجري في مايو (أيار) المقبل، الذي قد يسفر إما عن تشديد العقوبات والمزيد من الضغوط، أو تخفيفها، لا سيما في الجانب المتعلق بالإعفاءات لبعض الدول، والاتجاه تالياً نحو الليونة وفتح مسار جدي لتفاهمات في المستقبل.
3 - مستقبل الرئيس ترمب جراء ما قد تتضمنه نتائج تقرير المحقق مولر وتداعياتها على مصير ولاية الرئيس الأميركي.