د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

الدور الآن على الهند

أثناء قمة العشرين الماضية التي عقدت في الأرجنتين، كان لولي العهد السعودي لقاء جانبي مع رئيس الوزراء الهندي، لم يبدُ الأمر مستغرباً آنذاك في قمة تهدف إلى اجتماع قادة العالم لمناقشة الأوضاع الدولية. زيارة ولي العهد السعودي للهند هذا الشهر كانت ثمرة هذا اللقاء، وهي زيارة تاريخية لأسباب كثيرة، منها عدم اقتصار أهدافها على العلاقات الأمنية والنفطية المعتادة، بل تعدتها إلى أهداف أخرى استثمارية وثقافية. وهي امتداد لزيارة الملك عبد الله رحمه الله في عام 2006. إضافة إلى زيارات هندية للمملكة في أعوام 2010 و2016. ولكن لماذا الهند تحديداً في هذا الوقت؟ وماذا تشكل الهند بالنسبة للأهداف المستقبلية للمملكة؟
الهند ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، وهي ذات ثاني أكبر عدد سكان في العالم بعد الصين، والفارق في السكان بين البلدين يتقلص بشكل متسارع يحكمه عدم تحديد النسل في الهند كما هو الحال في الصين، واقتصاد الهند في نمو مستمر... كل ذلك يدعو إلى النظر إلى الهند - حتى مع كونها قوة اقتصادية حالية - على أن وضعها الاقتصادي المستقبلي سيكون أكثر قوة مما هو عليه الآن. أما العلاقة السعودية الهندية فهي علاقة تاريخية وضخمة، لدرجة قد تجعل المطلع يتعجب من عدم التركيز عليها في وسائل الإعلام. وبالنسبة للبلدين، فالهند رابع سوق لصادرات المملكة، وخُمس النفط الخام المستورد للهند يأتي من المملكة، وما يقارب ثُلث الغاز الطبيعي كذلك. هذا من الناحية الاقتصادية، أما من النواحي الأخرى، فالهند هي ثالث أكبر دولة من ناحية عدد المسلمين، مباشرة بعد إندونيسيا وباكستان، وعدد العاملين من الجنسية الهندية في المملكة يتعدون 2.7 مليون عامل يضيفون الكثير بتحويلاتهم السنوية للاقتصاد الهندي، ويشكلون قيمة مضافة لسوق العمل السعودي.
ويبدو أن البلدين لا يريدان الاكتفاء بهذه العلاقة (على الرغم من متانتها)، فزيارة ولي العهد شهدت توقيع 5 مذكرات تفاهم في الاستثمار والسياحة والإسكان والاتصالات والمعلومات، إضافة إلى تطوير العلاقة الحالية في مجالات الأمن والدفاع والطاقة. وقد سبق للمملكة من خلال تحالف مشترك بين شركتي «بترول أبوظبي» الوطنية و«أرامكو»، الاستثمار في المصافي الهندية بما قيمته 44 مليار دولار. أما الآن، فقد أعلن ولي العهد عن أن الاستثمارات السعودية في الهند بإمكانها الوصول إلى 100 مليار دولار، ذلك أن السوق الهندي كما وصفه ياسر الرميان المشرف العام على صندوق الاستثمارات السعودي «أكثر سوق واعد في العالم». كما أن المملكة قد تضخ 10 مليارات دولار في الشركات الناشئة الهندية، من خلال تحالفها مع «سوفت بنك» في «صندوق الرؤية التقني».
والاستثمار في الشركات الناشئة الهندية له عدة معانٍ، أولها هو استمرار الاستثمار في الشركات الناشئة الواعدة، التي قد تحقق عوائد أعلى في المستقبل كما هو الحال في صندوق الرؤية التقني الذي استثمر في شركات ناشئة عدة، وثانيها أن هذا الاستثمار قد يكون جاذباً لهذه الشركات للعمل في المملكة ودخول السوق السعودي، بما في ذلك من فوائد لهذا السوق. وثالثها أن هذه الاستثمارات هي نافذة للمملكة على السوق الهندي، أي أن المملكة من خلال هذه الاستثمارات تستطيع استكشاف السوق الهندي ومعرفة الفرص المتاحة فيه من خلال شركائها الهنود.
زيارة ولي العهد للهند هي استمرار للزيارات السابقة، مثل زيارة الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، كذلك زيارة الملك سلمان لروسيا، وكان من المنطقي أن تكون الهند من ضمن هذه الزيارات، كونها قوة اقتصادية وبشرية لا يستهان بها في العالم، والجامع بين هذه الزيارة وسابقها من الزيارات، هو عدم حصر هذه الزيارات في المجال النفطي فقط، فكما بدأت المملكة تعاوناً عسكرياً (من خلال صفقات الأسلحة) مع روسيا، وبدأت تعاوناً ثقافياً مع فرنسا، وقد جاء الآن الدور على الهند، ومجالات التعاون اتضحت من خلال مذكرات التفاهم التي وقّعت، في مجالات الاتصالات والمعلومات والسياحة والإسكان، كل ذلك خارج الإطار النفطي المعتاد، وكأن المملكة بذلك تؤكد رغبتها في تنويع استثماراتها وتوسيع محفظتها الاستثمارات بين قطاعات عدة، ولكن هذه المرة مع شريك جديد في هذه القطاعات.