نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

خبراء الاقتصاد وتعديل نظام الأجور

هل تتقاضى أجراً يكافئ العمل الذي تضطلع به؟ وماذا عن الآخرين؟ ربما يبدو هذا سؤالاً بسيطاً، لكنه في حقيقة الأمر ينطوي على قدر هائل من التعقيد، ومن الصعب الإجابة عنه. ومع هذا، فإنه ربما يمكن التوصل للإجابة في طيات الاستقرار الذي ينعم به المجتمع الأميركي.
ثمة نظرية في علم الاقتصاد تقول إن العمال يتقاضون أجوراً عن المنتج الحدي لمجهودهم، مما يعني أن جهة التوظيف تدفع للعامل بالضبط المبلغ المالي الذي ستخسره لو أنها طردته. ويبدو المنطق وراء ذلك بديهياً؛ ذلك أنه إذا دفعت الشركة لعامل أقل من منتجه الحدي، فإن ذلك يجعل بمقدور أي شركة أخرى على القدر ذاته من الكفاءة اجتذاب هذا العامل. أما إذا تقاضى العامل أكثر عن منتجه الحدي، فإن عمالاً آخرين بمهارات مشابهة قد يأتون ويعرضون الاضطلاع بالعمل ذاته مع تلقي مقابل أقل.
في الواقع، هناك كثير من السبل التي يمكن من خلالها إثبات خطأ هذه النظرية. من الواضح أن هذه النظرية تفترض أن الأسواق تتسم بقدر هائل من التنافسية والسيولة، وأنه دائماً ما تكون ثمة شركة أخرى في انتظار اقتناص العمال الذين يتناولون أجوراً أقل مما يستحقون، وعامل آخر بانتظار أن يحل محل الآخر الذي يتقاضى أجراً يفوق ما يستحقه. في المقابل؛ نجد أن الواقع يشير إلى أن أصحاب الأعمال يملكون قدراً كبيراً من القوة السوقية، وباستمرار تخلص أبحاث اقتصادية إلى أنه كلما قلت أعداد جهات التوظيف بمنطقة ما، انخفضت أجور العاملين بالمنطقة. ولأنه من الصعب والمكلف بالنسبة لعامل التنقل من وظيفة لأخرى، فإنه يصبح باستطاعة جهة العمل دفع أجر له أقل من منتجه الحدي.
وعليه، فإنه من المحتمل أن يتقاضى كثير من الموظفين عائدات أقل مما يحققونه لحساب الشركات التي يعملون بها. ومع هذا، فإن الأخبار ليست جميعها سيئة بالنسبة للعاملين؛ فهناك أسباب ربما تدفع الشركات لأن تدفع للعاملين لديها أكثر من منتجهم الحدي. على سبيل المثال، ومثلما اكتشف هنري فورد، فإن منح العمال أجوراً أعلى من الممكن أن يدفعهم للعمل بكفاءة أكبر.
في الواقع، ربما وُجدت هذه التصورات وغيرها للسوق المثالية ذات مرة، وربما أثر كل منها على نحو مختلف على العمال بدرجات متباينة، لكن ماذا تقول البيانات؟ الحقيقة أنه من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، لأنه من الصعب للغاية التعرف بدقة على حجم العائدات الذي ستخسرها شركة ما إذا أقدمت على طرد أحد العاملين لديها. كما أن الاقتصار على مجرد مقارنة متوسط الرواتب بمتوسط الإنتاجية، على غرار ما يفعله كثيرون، لن يفي بالغرض ولن يعطينا الإجابة المنشودة، وربما يعتقد الأشخاص أنفسهم الذين يعقدون هذه المقارنة أن كبار المسؤولين التنفيذيين يتقاضون في العادة أجوراً تفوق ما يستحقون.
يذكر أن بحثاً أجري في تسعينات القرن الماضي أشار إلى أن الرجال يتقاضون أجوراً أعلى بنسبة تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة، بالنسبة للقيمة التي يضيفونها، من النساء، مما يوحي بشبهة ممارسة تمييز على أساس النوع. وتناول بحث آخر أحدث محاولة قياس لتأثير الوفيات غير المتوقعة للعمال، وخلص إلى أن العائدات تتراجع بأكثر من الأجور التي كانوا يتقاضونها، مما يوحي بأن العمال عادة ما يحصلون على أجور أقل مما يستحقون.
وعليه، فثمة ما يدعو للاعتقاد بأن الأجر لا يتوافق عادة مع القيمة الاقتصادية التي يضيفها العامل إلى الشركة، لكن يبقى هذا مجرد سبب واحد من بين أسباب كثيرة للاعتقاد بأن العمال لا يتقاضون أجورهم المستحقة، وذلك لأن القيمة الحقيقية للعامل تتجاوز العائد الذي يخلقه للشركة.
من جهتها، تقر النظرية الاقتصادية بكثير من الأسباب التي تجعل القيمة النقدية لنشاطات متنوعة غير مكافئة لقيمتها الحقيقية بالنسبة للمجتمع. على سبيل المثال، فإن العالم صاحب الأجر الهزيل الذي يعمل داخل معمل أبحاث متهرئ يجد سبلاً لإنقاذ ملايين الأرواح، لكنه لا يتقاضى مطلقاً ما يعكس قيمة ما يقدمه.
وبالمثل، فإن رواتب المعلمين بالمدارس ربما لا تعكس على الإطلاق القيمة التي يضيفونها إلى قوة العمل القادرة على القراءة والكتابة، مثلما أن الأطباء لا يتقاضون بالضرورة أجوراً أكبر عندما يتمكنون من علاج أمراض معدية.
في تلك الأثناء، هناك كثير من السبل يمكن عبرها أن تفوق القيمة النقدية التي يمثلها أفراد بالنسبة للشركة القيمة الاجتماعية الحقيقية لما يفعلونه. على سبيل المثال، فإن المسؤول التنفيذي الأعلى داخل مصنع لإنتاج الطاقة يعمل بالفحم ربما يتقاضى أجراً ضخماً حتى في وقت يصاب فيه الناس بأمراض في الرئة بسبب الدخان المتصاعد من المصنع والذي يلوث الهواء، بينما لا يتولى هو تسديد قيمة الفواتير الطبية من أجره، ولا يدفع أي تعويضات عن التلوث وظاهرة الاحتباس الحراري الناجمة عن غاز ثاني أكسيد الكربون المتصاعد من المصنع. كما أن موظفي البنوك ربما يتقاضون أجوراً تفوق ما يستحقونه عندما يقع مستثمرون في أخطاء تدفعهم لسداد مبالغ مالية ضخمة لهذه البنوك. وتضم القائمة الكثير والكثير.
الآن، ماذا يحدث لو بدأ المجتمع يقتنع بأن مثل هذه التشوهات ضخمة؟ ماذا لو أن العلماء والمدرسين وعمال المصانع ومسؤولي الحسابات قرروا أن أجورهم لا تكافئ إسهاماتهم؟ وماذا يحدث لو أنهم نظروا إلى أقرانهم بقطاعات التمويل أو الطاقة أو الدفاع، أو المناصب التنفيذية، وقرروا أن هؤلاء الأشخاص يتقاضون أجوراً تفوق ما يستحقونه؟
من الصعب تحديد ما الذي يمكن أن يحدث، لكن من المحتمل أن نتائج ذلك لن تكون طيبة، فمن الممكن أن يؤدي انتشار مشاعر السخط على نطاق واسع إلى تراجع الروح المعنوية، وبالتالي تقل إنتاجية الأفراد في وظائفهم. ومن الممكن أن تحدث قلاقل اجتماعية وسياسية، مع شروع الجميع في الدعوة لزيادة أجورهم وتقليص أجور الآخرين... وربما يفضي ذلك إلى حالة من الفوضى السياسية مع اشتعال التناحر بين فرق وفئات مختلفة.
بمعنى آخر؛ فإنه حتى لو كان السؤال عما إذا كان العمال يتقاضون أجوراً تكافئ قيمة عملهم من الصعب للغاية طرح إجابة قاطعة عنه أو حتى إجابة عامة، يبقى من المهم بالنسبة للخبراء الاقتصاديين وصانعي السياسات الاستمرار في طرح هذا السؤال، والاستمرار في محاولة تعديل النظام بحيث يصبح الأجر أكثر توافقاً مع الإسهام الفعلي. أما البديل - لنظام يعتقد الجميع على نحو متزايد أنه مجحف وغير عادي ـ فمن المثير للقلق مجرد التفكير فيه.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»