جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

«بريكست» سيقلص من فرص الأمان للولايات المتحدة وأوروبا

تبدو الأجواء مواتية في لندن الأسبوع الجاري لمواصلة الجدل الدائر بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكست». لكن الجدل هنا يتركز على كيفية تأثير «بريكست» على العلاقات السياسية والاقتصادية بين المملكة المتحدة وأوروبا، فيما يغفل الكثير من البريطانيين والأمريكيين الخسائر الجيوسياسية التي ستتحملها الولايات المتحدة والتحالف الأطلسي.
عندما تعمل دول أوروبا الغربية مجتمعة فإنها تمثل تقريبا ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتعد ثاني أكبر موازنة دفاع في العالم. وحال عملت كل دولة على حدة فإن أيا منها لا يمكن النظر له باعتباره شريكا مهما للولايات المتحدة، عكس الحال عند النظر إليها مجتمعة.
يقول رأي قديم ينسب للرئيس هنري كيسنغر إنه ما من سبيل «للاتصال بأوروبا» لطلب مساعدة في السياسة الخارجية. لكن الخطوات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي طيلة السنوات العشرين الماضية – ومنها صياغة سياسة دبلوماسية ودفاعية مشتركة – جعلت الوصول الى هذا الكيان الواحد كحليف للولايات المتحدة أمرا واردا. لكن «بريكست» عرض تلك المكاسب للخطر بأن سحب ثاني أكبر اقتصاد في التكتل الأوربي بعيدا عن الاتفاقيات التجارية الدولية وعزلها سياسيا وعسكريا عن باقي أوروبا.
بالإضافة الى ذلك، فإن «بريكست» يدق أسفينا بين المملكة المتحدة وحالة الوفاق بين فرنسا وألمانيا، وهي الحالة التي باتت تهيمن على السياسات والمواقف الأوروبية، مما يضعف من قدرة واشنطن على بناء تحالفات متماسكة للتعامل مع المشكلات العالمية الكبيرة، بدءا من مراقبة إيران ومعاقبة روسيا وانتهاء بالتغيرات المناخية.
بالنسبة لحلف شمال الأطلسي «الناتو» تحديدا، هناك بعض الأخبار السارة، فالجيش البريطاني الذي يعتزم حاليا تقسيم مشاركته بين بعثتي الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو»، سينتقل الى الحلف بعد إتمام الخروج من الاتحاد الأوروبي. والأخبار السيئة هي أن هذا من شأنه أن يجعل الفرنسيين والألمان يعززون من دعمهم لأولويات الاتحاد الأوروبي العسكرية على حساب «ناتو» (مثلما حدث في الدعوة المضللة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما نادى بتكوين جيش أوروبي).
ولو نظرنا الى الجانب المظلم في تلك الجدلية، فإنه من الممكن أن يسرع «بريكست» من الانهيار الكامل «للمشروع الأوروبي» وللمظلة الأمنية التي يوفرها. من ضمن العوامل المؤثرة أيضا انتخاب حكومة شعبوية في إيطاليا مناوئة للاتحاد الأوروبي، وكذلك وجود حكومات غير ديمقراطية في بولندا والمجر اللتين خضعتا لرقابة الاتحاد الأوروبي.
ماذا يفعل الاتحاد الأوروبي؟
أولا، يجب على واشنطن البقاء على الحياد فيما يخص الجدل البريطاني، فإدارة ترمب تبدو مساندة لـ»بريكست»، مما يوحي بأن الولايات المتحدة ستقدم اتفاق تجاري ثنائي جديد، ذلك على الرغم من عدم وجود خطوات محدودة على الأرض في هذا الاتجاه، وهي القضية التي يتعين على أبناء بريطانيا العظمى اتخاذ قرار بشأنها.
في النهاية، إن البيت الأبيض يحتاج الى تخطيط الخيارات السياسية لدعم المملكة المتحدة في عزلتها الجديدة، إذ أن التهديدات الكبيرة ليست عسكرية بل اقتصادية ودبلوماسية. بالإضافة الى الاتحاد التجاري الجديد، فإن الولايات المتحدة في حاجة لأن تصيغ مع بريطانيا سياسية عسكرية مشتركة وذلك لتعوض ما ستخسره المملكة المتحدة من شركائها الأوروبيين السابقين، وعليها العمل باعتبارها وسيط أمين بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الى أن يتلاشى إحساس الامتعاض والمرارة التي خلفها الخروج من الاتحاد.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»