تركي الفيصل
TT

إنكار الجهود السعودية حيلة العاجز

«فلسطين بؤبؤ عيني، أنا مسلم قبل كل شيء، ولا يمكن أن أفرط في فلسطين». الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه.
هناك محاولة آثمة من قبل الحكومة الإسرائيلية وأذنابها لإظهار أن المملكة العربية السعودية تتغاضى عن المجازر الإسرائيلية الإجرامية والهمجية في غزة. إن التصريحات التي يطلقها المسؤولون الإسرائيليون والتصريحات الجانبية التي يدلي بها المسؤولون الغربيون خارج سياق الموضوع، وكذلك التصريحات التي ينقلها الصحافيون عن مسؤولين عرب لا تُذكر أسماؤهم... إلخ، ما هي إلا سلسلة من المصادر المفترضة التي تزعم بأن المملكة التزمت الصمت، حيال الهجوم الإسرائيلي على شعب غزة.
بل إن بعض هؤلاء حاول أن يصور أن ما كتبتُه عن رؤيتي لما سيكون عليه الحال في ظل السلام بين العالمين العربي والإسلامي وإسرائيل، بأنه دليل على أن المملكة قامت بالتعاون والتنسيق مع إسرائيل حول قضايا مثل إيران، وأنها تقوم بذلك الآن مع غزة. وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.
في الرابع عشر من يوليو (تموز)، أصدر مجلس الوزراء السعودي بيانه الأسبوعي، وأقتبس منه ما يلي: «خاصة ما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي الخطير على أرض فلسطين ومقدساتها، مثمنا توجيه خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - بتقديم دعم عاجل قدره مائتا مليون ريال للهلال الأحمر الفلسطيني، لتأمين الاحتياجات العاجلة من الأدوية والمستلزمات الطبية لعلاج ضحايا الاعتداءات والقصف الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة.
وعبّر المجلس في هذا الشأن عن إدانة المملكة العربية السعودية واستنكارها للتصعيد الإسرائيلي العسكري، وسلسلة الغارات الوحشية على قطاع غزة التي أسفرت عن سقوط المئات من الشهداء والجرحى من أبناء الشعب الفلسطيني، مجددا دعوة المملكة العربية السعودية لمجلس الأمن في الأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان في جنيف للقيام بواجبهما، وتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة بحق إسرائيل، وسرعة التحرك لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وكل الجرائم والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني.
كما شدّد المجلس على ما تضمنه البيان الختامي لاجتماع اللجنة التنفيذية الاستثنائي الموسع لوزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي، وما اشتمل عليه في هذا الخصوص من استنكار وإدانات للجرائم البشعة التي يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني، ودعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لوضع حدّ للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني».
هذا أحد البيانات الكثيرة التي صدرت من أعلى مستويات القيادة السعودية، والتي توّجت ببيان للملك عبد الله في الأول من أغسطس (آب)، ودعا فيه إلى رفع دعوى قضائية ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية. فليس هناك عذر مقبول لدى وسائل الإعلام الدولية وهي تضرب صفحا عن جميع تلك البيانات، ومن ثم تدّعي بأن رد الفعل السعودي على الهجوم الإسرائيلي كان السكوت والتزام الصمت. بل إن ردّ السفير السعودي في لندن المنشور على ادعاءات الصحافي البريطاني الغريبة والشاذة، التي تتهم المملكة بتدبير وتنسيق الهجمات الإسرائيلية على غزة، قد تم تجاهله من قبل وسائل الإعلام العالمية، في حين أنها تنقل وتستشهد بالمصادر المجهولة التي لم تسم نفسها.
إن المملكة العربية السعودية هي المؤيد والداعم الأساسي للشعب الفلسطيني، والمملكة تنطلق في ذلك من واجب ديني وإنساني وعربي وإيمانا منها بعدالة القضية الفلسطينية، ورفضا للظلم الفادح الواقع على كاهل إخواننا الفلسطينيين. ولقد كانت محنة الشعب الفلسطيني في مقدمة أولويات النشاط الدبلوماسي السعودي منذ الانتفاضة الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني في ثلاثينات القرن الماضي، وحتى اليوم. إن رسائل الملك عبد العزيز للحكومة البريطانية لتدل على التزام المملكة العربية السعودية المستمر. كذلك فإن التاريخ لا ينسى كلمة الأمير - في ذلك الوقت - فيصل بن عبد العزيز، في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد القرار رقم 181. عندما قال: «لقد أتينا إلى الجمعية العامة يملؤنا الأمل بأن الدول الكبرى والصغرى على السواء ستوجه قصارى جهدها لرفع المستوى الأخلاقي، لقد أتينا هنا يملؤنا الأمل بأن جميع الأمم ستحترم وتؤكد حقوق الإنسان والعدالة، وبأن هذه المنظمة ستكون أداة لتحقيق الأمن والسلم الدولي، وفي نفس الوقت كان يحدونا الأمل بأن المنظمة ستكون عبارة عن أساس قوي لتحقيق التفاهم المشترك بين جميع الشعوب، لقد تعهدنا أمام الله والتاريخ بأن ننفذ الميثاق بإخلاص وحسن نية، وبذلك نحترم حقوق الإنسان ونصدّ كل عدوان، ولكن للأسف فإن قرار اليوم قد هدم كل المواثيق التي سبقته». لقد كان التخاذل الدولي وعجز مجلس الأمن عن القيام بمهامه وسياسة الكيل بمكيالين للقوى الكبرى، وخصوصا نحو القضية الفلسطينية، هو السبب الذي أدى بالمملكة العربية السعودية إلى رفض مقعد غير دائم في مجلس الأمن العام الماضي.
وتحت قيادة الملوك الذين تعاقبوا على تولي الحكم فيها، مما لا يسع المجال لذكره، بذلت المملكة العربية السعودية - حكومة وشعبا - كل جهدها وسخرت طاقاتها، للتخفيف من معاناة فلسطين وشعبها من ظلم المحتلين وجورهم، سواء كانوا البريطانيين منهم أو الإسرائيليين.
إن إنكار هذه الجهود أو محاولة التقليل منها، هي حيلة العاجز، ولكنها حيلة لا يمكن أن تنطلي على أحد. كما أن المحاولة اليائسة لتشويه أي جهد دبلوماسي سعودي للتخفيف عن إخواننا الفلسطينيين، وفي غزة على وجه الخصوص، تكشف خبيئة نفس صاحبها، ولا تضر المملكة وقيادتها بشيء.
قد تنكرُ العينُ ضوءَ الشمسِ من رمدٍ
وينكرُ الفمُ طعمَ الماءِ من سَقَمِ