د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

معاناة «آبل»

ما يحدث هذه الأيام في شركة «آبل» - الغنية عن التعريف - مدعاة للتفكر والتأمل في صناعات الهواتف الذكية حول العالم. ولهذه الشركة تحديداً أهمية عظمى من عدة نواحٍ، أولها أنها أول شركة عامة تزيد قيمتها على تريليون دولار في التاريخ، وتلتها بعد ذلك بعدة أشهر شركة «أمازون». وثانيها أنها إحدى الشركات القيادية في مجال صناعة الهواتف الذكية، ورائدة الابتكار في هذه الصناعة بإنفاق سنوي على البحث والتطوير والابتكار بلغ 14 مليار دولار في عام 2018، إضافة إلى أنها ثالث أكبر شركة في العالم في مبيعات الهواتف الذكية بعد «سامسونغ» و«هواوي».
وبعد أن تعدى سعر سهم الشركة في بداية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حد 230 دولاراً، انخفض بشكل متواصل بعدها حتى وصل إلى 142 دولاراً، بنسبة انخفاض تعدت 35 في المائة في 3 أشهر. وفي الثالث من يناير (كانون الثاني) الجاري، صرح الرئيس التنفيذي تيم كوك بأن الشركة تتوقع انخفاضاً في عوائدها لأول مرة منذ أكثر منذ عشر سنوات، ليهوي بعدها سهم الشركة في يوم واحد بنسبة 7 في المائة، وتلتها بعد ذلك عدة شركات حول العالم في الانخفاض متأثرة بالنظرة الظلامية المتوقعة من التباطؤ الاقتصادي المقبل على العالم.
وبحسب تيم كوك، فإن سبب توقعات انخفاض العوائد يعود إلى الحالة الاقتصادية في الصين، التي يشكل سوقها ما يقارب 18 في المائة من عوائد «آبل». ولا يتضح كون هذا الانخفاض ناتجا عن الحرب الاقتصادية أم لا، إلا أنه لا يستغرب أيضاً. إلا أن الأكيد أن مبيعات «الآيفون» في الصين انخفضت، وحصة «آبل» السوقية في الصين انخفضت تحت 10 في المائة في الربعين الثاني والثالث من سنة 2018. وخسر «الآيفون» هذه الحصة لمنافسين يقدمون هواتف ذكية بسعر أقل، وما يؤكد ذلك هو إعلان الشركات المنافسة عن زيادة مبيعاتها في الصين، مما يعني أن الحصة السوقية انتقلت من منافس لآخر. وتجري الآن محاولات لتحفيز العملاء للإقبال على «الآيفون»، وذلك بعد تخفيض الأسعار من وكيلين معتمدين لـ«آبل» في الصين بنسبة تزيد على 20 في المائة.
ولا يبدو أن الوضع في الصين هو السبب الوحيد للانخفاض المتوقع في العوائد، فمبيعات الهواتف الذكية في العالم بدأت في الانخفاض بعد عقد كامل من الارتفاع المطرد. ويرجع المحللون هذا الانخفاض لعدة أسباب، منها أن الفروقات بين الإصدارات القديمة والجديدة في الهواتف الذكية ليست كبيرة، وهو ما لا يحفز المستهلكين لشراء هواتف جديدة في حال إصدارها، ويمكن مشاهدة ذلك في انخفاض عدد المصطفين أمام متاجر «آبل» عند إصدار «آيفون» جديد. وارتفعت دورة حياة الهواتف الذكية من 24 شهراً في السابق، إلى نحو 36 شهراً في الوقت الحالي، وهو ما يوضح أن المستهلكين يفضلون الاحتفاظ بهواتفهم القديمة حتى مع وجود إصدارات جديدة، لأسباب كثيرة منها عدم وجود فوارق كبيرة بين الإصدارات. ويبدو أن المستهلكين تجاوزوا مرحلة زيادة الكاميرات في الهواتف، وهو ما دعا البعض إلى السخرية من شركة «نوكيا» التي ستطلق هاتفاً بـ5 كاميرات نهاية هذا الشهر في حفل في مدينة دبي، مشبهين زيادة عدد الكاميرات في الهواتف الذكية، بزيادة عدد الشفرات في أمواس الحلاقة! في إشارة إلى إفلاس بعض الشركات في الابتكار في الهواتف الذكية.
وتسعى الشركات إلى أن يشتري عملاؤها هواتف جديدة، وهو ما اتضح في رسالة تيم كوك للمساهمين، بقوله إن شركته «حاولت تحفيز العملاء لترقية هواتفهم القديمة بتقديم حلول تمويلية، وإصدار تطبيقات تسهل نقل بيانات هواتفهم القديمة للجديدة». إلا أن هذا التحفيز لا يبدو كافياً لشراء الآيفون الجديد الذي يزيد سعره بأكثر من 20 في المائة عن القديم، ولا يختلف كثيراً عن سابقه.
إن صناعة الهواتف الذكية في اختبار صعب في الوقت الحالي، ولكنها لم تصل بعد إلى مرحلة الخطر، فيكفي معرفة أن مجموع ما ينتج عالمياً من الهواتف الذكية يبلغ 1.4 مليار جهاز سنوياً، وما يحدث الآن ما هو إلا انخفاض طفيف في هذا الكم الهائل، وهو ما يوضح أن هذا السوق في مأمن حتى الآن، إلا أنه يحتاج إلى طفرة جديدة حتى ينتعش مرة أخرى ويعطي حافزا للمستهلكين للشراء. ولعل الكثير من الشركات توقعت هذا الانخفاض فتوجهت إلى تنويع منتجاتها بين الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية الأخرى والخدمات، ولعل ما أضر بشركة «آبل» كثيرا هو اعتمادها الكبير على «الآيفون» الذي يشكل 60 في المائة من عوائدها، مقابل 15 في المائة فقط للخدمات مثل الخدمات السحابية والموسيقية والتطبيقات. ورغم وعود الشركة في 2016 بالعمل على مضاعفة نسب عوائد الخدمات بحلول عام 2020، فإن هذه الوعود لا تبدو قابلة للتنفيذ الآن، وهو ما يجعل الشركة أمام مشكلة حقيقية بين منافسين يقدمون منتجات بأسعار تصل إلى النصف، وعدم نجاح الحلول البديلة في تنويع محفظتهم الاستثمارية.