فاي فلام
TT

على أميركا العودة إلى القمر

لا تزال الولايات المتحدة تحتل مرتبة القائد الذي لا يرقى إليه الشك في مجال استكشاف الفضاء. فلقد جاء هبوط المركبة الصينية بعد يومين فقط من التحليق الموازي المثير للذهول قرب جسم جليدي (أولتيما ثيول) يطوف في الفضاء على مسافة تبعد 1.4 مليار ميل من كوكب الأرض مما اعتبر أكثر الأجسام الفضائية بُعدا التي وصلت إليها المركبات الفضائية الأرضية حتى الآن. وكانت نفس المركبة التابعة لوكالة ناسا، نيو هورايزون، قد اقتربت من كوكب بلوتو البعيد في عام 2015. لكن القمر هو المكان الذي يمكن لرواد الفضاء الذهاب إليه والعودة منه، وبالتالي أثارت مركبة (تشانغ إي 4) الصينية الحديث المتجدد عن سباق فضائي جديد.
وحرص كل الخبراء الذين تحدثت إليهم بشأن الأمر على إرسال رواد الفضاء مرة أخرى إلى سطح القمر، رغم أنهم يفضلون ألا يكون ذلك جزءا من منافسة دولية غير ودية. وقال عالم الكواكب كلايف نيل من جامعة نوتردام إن السباقات الفضائية لا تتسم بالاستدامة على المدى البعيد. كانت بعثات أبوللو الفضائية قد غيرت العالم تماما غير أنها توقفت بعد عدة سنوات محددة. أما الآن، وكما أفادتنا دروس التاريخ، يمكننا الانطلاق في برنامج أكثر تآزراً على المستوى الدولي لإرسال رواد الفضاء مرة أخرى إلى القمر وما وراء القمر.
وفي حين أن إرسال الرواد إلى القمر قد يبدو وكأنه هدف متواضع عند مقارنته بالرحلات إلى المريخ، فإن تعلم كيفية العيش على القمر سوف يساعد العلماء كثيرا في معرفة كيفية إبقاء البشر على قيد الحياة وأصحاء في الرحلات الفضائية الطويلة. وقال السيد نيل إننا نعرف بوجود رواسب للثلوج والمياه على سطح القمر، وبناء على مستوى النقاء، يمكن لتلك المصادر أن تعين على تشييد قاعدة على سطح القمر وإمدادها بالماء من هناك أو فصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين ثم استخدام العنصرين في إسناد بعثات الفضاء إلى المريخ.
ومن شأن البشرية أن تنطلق بسرعة أكبر وتستحوذ على حكمة علمية أكثر من خلال التعاون الدولي في مجال الفضاء بأكثر مما تتحصل عليه من سباق ومنافسات الفضاء، بيد أن الكونغرس الأميركي يفرض القيود على تعاون وكالة ناسا مع الجانب الصيني في إطار ما يُعرف باسم (تعديل وولف)، والذي استحدثه عضو الكونغرس فرانك وولف عن ولاية فيرجينيا.
والمنطق الكامن وراء هذا التعديل هو الحيلولة دون التجسس من جانب الصين. وثارت مخاوف عدة بشأن القرصنة السيبرانية الصينية فضلا عن العالم الصيني الذي غادر وكالة ناسا على نحو مفاجئ وبحوزته حاسوبا محمولا غير مخول له الاحتفاظ به خارج الوكالة. وذكرت إحدى المجلات أن الحاسوب المحمول يحتوي على مواد غير لائقة وأفلام سينمائية مقرصنة ولا يحتوي على أي أسرار وطنية تُذكر.
وقال جاكوبسون إنه من الجدير بالذكر الإشارة إلى رمزية المكان الذي اختار الجانب الصيني الهبوط فيه على سطح القمر: وهو الغور من داخل الغور الذي يحمل اسم (ثيودور فون كارمان)، الذي كان مديرا لمختبر الدفع النفاث ومعلما ومرشدا لأحد الباحثين الصينيين الشبان ويُدعى (هسيو شين تسيان)، والذي أصبح فيما بعد واحدا من أكبر علماء الصواريخ على مستوى العالم. ولقد عمل الرجلان سويا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، وصار تسيان الآن من العلماء المساهمين بشكل كبير في برنامج الفضاء بالولايات المتحدة الأميركية.
ولكن بعد انتهاء الحرب، لم يعد الخصوم المشتركون يحافظون على التحالفات العلمية، وفي خمسينات القرن الماضي، وأثناء الموجة الشيوعية الصينية العارمة، خضع العالم تسيان للاستجواب، ووضع قيد الإقامة الجبرية لمدة خمس سنوات، ثم صدر الأمر بترحيله عن البلاد. وبعد الإفراج عنه، ترأس برنامج الأسلحة النووية الصينية، واضعا إياه على مسار الانطلاق السريع للأسلحة النووية والصواريخ بعيدة المدى.
فهل من شأن إرسال مركبة الفضاء الصينية إلى فوهة (ثيودور فون كارمان) أن يعتبر بمثابة إشارة دولية للمصالحة وانطلاق الأمل للمزيد من التعاون القريب؟ ربما لا يعدو الأمر كونه مجرد مصادفة، ولكنها مصادفة تدعو للتذكير بالتعاون السابق الذي أفضى إلى ميلاد السفر إلى الفضاء في المقام الأول.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»