محمد العريان
أقتصادي مصري- أمريكي
TT

هل أقرت سوق الأسهم قاعاً لها؟

جاءت موجة الارتفاعات الهائلة التي شهدها الرابع من يناير (كانون الثاني) في الأصول العالية المخاطرة، التي أدت إلى ارتفاع شديد في مؤشرات الأسهم الأميركية الكبرى بنسبة تتراوح بين 3 في المائة و4 في المائة، علاوة على ارتفاع العائد «الخالي من المخاطرة» على سندات الخزانة الأميركية لمدة 10 سنوات بمقدار 11 نقطة أساسية، بمثابة عرض قوي لقوة التحالف الإيجابي لعدد من العوامل الاقتصادية الأساسية، وتوافر سيولة لدى البنك المركزي وعدد من العوامل الفنية. ومع ذلك، فإن مسألة ما إذا كانت السوق قد وصلت إلى قاع، تنطوي على قدر أكبر بكثير من التعقيد والشكوك.
وضمنت بيانات التوظيف القوية الصادرة في وقت مبكر من الرابع من يناير بداية أعلى للسوق لدى افتتاحها. وقد نجح الاقتصاد في خلق 312 ألف وظيفة جديدة في ديسمبر (كانون الأول)، أو ما يقارب ضعف ما أجمعت عليه غالبية التوقعات. ولم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما ارتفع معدل نمو الأجور هو الآخر (ليصل إلى 3.2 في المائة سنوياً)، وجاءت المراجعات الاقتصادية إيجابية لشهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني). أما المخاوف من أن يدفع التقرير الأخير بنك الاحتياطي الفيدرالي نحو سياسة أكثر صقورية، فقد وازنها عنصر آخر مشجع في البيانات الشهرية: ارتفاع معدل المشاركة (من 62.9 في المائة إلى 63.1 في المائة)؛ الأمر الذي لمح إلى وجود مزيد من التثاقل داخل سوق العمل.
في أعقاب فتح الأسواق أبوابها بفترة قصيرة، تلقت دفعة قوية من رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول. وفي محاولة للتصدي للمخاوف السابقة بخصوص الجمود المفرط في سياسات الاحتياطي الفيدرالي وعدم إبدائه حساسية كافية تجاه المخاطر الاقتصادية، لمح باول خلال اجتماع الجمعية الاقتصادية الأميركية إلى تحديد ما ترغب الأسواق في سماعه: أن الاحتياطي الفيدرالي سوف يتحلى «بالصبر»، وأن زملاءه يعكفون على مراقبة مجموعة واسعة من المخاطر، وأن جميع الأدوات المرتبطة بالسياسات متاحة لاستخدامها، وبالتالي، فإن الاحتياطي الفيدرالي لا يسير في طريق محددة سلفاً دون إمكانية للتغيير فيما يتعلق بمسألة خفض ميزانيته.
في الوقت ذاته، فإنه بدلاً من تأجيج حالة السقوط بالأسواق، لاقت الأسهم العالية المخاطرة تحفيزاً كبيراً بحلول نهاية الأسبوع بسبب المضاربات المعتمدة على اللوغاريتمات وتوافر جيوب من السيولة. وبفضل استخدام أموال جرت المضاربة بها داخل سوق الأوراق المالية ومنتجات سلبية، جاء الارتفاع عبر قطاعات مختلفة من السوق.
ومع ذلك، فإن هذه الانفراجة لا تكفل بالضرورة أن قاعاً محدداً للسوق تم إقرارها، حتى الآن على الأقل؛ ذلك أن العوامل الثلاثة الحاكمة للسوق لا تزال في حالة سيولة.
وبخصوص العوامل الأساسية، فإنه رغم أهمية تقرير الوظائف فيما يخص التأكيد على صحة استهلاك الأسر، فإنه تهيمن عليه مقاييس حالية وأخرى تركز اهتمامها على الفترة السابقة. واللافت أن التقرير لا يتصدى للمؤشرات الأكثر إثارة للقلق المرتبطة بالفترة المقبلة التي ظهرت في بيانات التصنيع الصادرة عن معهد إدارة العرض الضعيفة الصادرة في 3 يناير. كما أن العوامل الأساسية لا تحوي كثيراً من المعلومات حول مخاطر تداعيات حالة الوهن الاقتصادي في أوروبا والصين على الاقتصاد الأميركي. وقد تجلت المخاطر المتعلقة بالصين في التحذيرات التي انطلقت مطلع الأسبوع الماضي حول عائدات شركة «آبل». كما لا تتوافر معلومات حول تداعيات الاضطرابات التي شهدتها الأسواق في الفترة الأخيرة ونطاق الإجراءات المحفزة للنمو والتسوية المحتملة للتوترات التجارية.
أما السيولة، فالتعليقات الأكثر دعماً للسوق الصادرة عن الاحتياطي الفيدرالي لا تغير ما أصبح واقعاً مختلفاً أمام البنوك المركزية في خضم مواجهتها تحديات على صعيد السياسات التي تقع في معظمها خارج نطاق سيطرتها والتي حولت المؤسسات من عناصر فاعلة في كبح اضطرابات السوق إلى عناصر مؤججة لهذه الاضطرابات عن غير عمد.
وبخصوص العوامل الفنية، فإنه رغم أنها الأكثر إيجابية داخل السوق من حيث شراء الوقت، يبقى هذا أمراً غير مؤكد على الإطلاق. وفي ظل غياب تحالف أطول أمداً بين العناصر الأساسية والسيولة، فإن العوامل الفنية من المحتمل أن تبقى غير مستقرة ويتعذر التنبؤ بها بدرجة كبيرة؛ ما يخلق إمكانية أن يميل المستثمرون خلال الأسابيع القليلة المقبلة لاستغلال فترات نشاط سوق الأوراق المالية في البيع، بدلاً من الشراء؛ الأمر الذي سيعزز بدوره عملية خلق قاع للسوق.
لقد كان من الطبيعي أن يشيد المستثمرون بالتطورات على الصعيد الاقتصادي وصعيد السياسات المتبعة التي طرأت في الرابع من يناير وحالة النشاط المشجع التي شهدتها الأسواق التي جاءت مذهلة في ضخامتها ونطاقها الواسع. ومع ذلك، من غير المؤكد على الإطلاق ما إذا كانت هذه الأنباء الإيجابية تنبئ عن نهاية حاسمة للاضطرابات التي تضرب بالأسعار وتدفعها نحو الأسفل. وعليه، يبقى الحذر مطلوباً.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»