محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

نزعة العرب والاسكندنافيين

لا يحبذ العقلانيون النظر إلى الشعوب من منظور الانطباعات الفردية. ولذا حينما نخوض في مقارنة بين العرب وأكثر الشعوب تمدناً في العالم (الاسكندنافيين)، بحكم تقدمهم في مراكز متقدمة في معظم مؤشرات التنمية البشرية وغيرها، فإن الأمر يتطلب رأياً علمياً يثير اهتمام أولئك الموضوعيين.
ومن أشهر من قارن الشعوب في العصر الحديث، العلامة هوفستد، الذي أسميه «ابن خلدون العصر الحديث»، إذ وجدت في أبحاثه الهائلة المنشورة في نحو 1000 صفحة بمجلد ضخم، أن العرب يختلفون اختلافاً جذرياً عن الاسكندنافيين في مجالات عدة، منها أربعة مؤشرات بارزة. ورغم أن الاسكندنافيين يشتركون مع العرب بأنهم في الأصل كانوا قبائل إلا أن عوامل الحضارة عملت في تلك الشعوب الأوروبية ما عملت فأفرزت أمة مختلفة تستحق التأمل.
فالعرب مثلاً، تبين أن لديهم مستوى مرتفعاً من «مسافة السلطة» (power distance)، وهو مؤشر يقيس إلى أي مدى يَقبل الناس في منطقتنا العربية أن يقودهم أو يتبوأ أحد في مجتمعهم منصباً رفيعاً لا يستحقه. واللافت أن الأفراد الأقل سلطة في مجتمعاتنا «يتقبلون» أي سلطة فوقهم، وإن كانت فيها نزعة استبدادية أو أبوية، بل يعترفون أن هؤلاء الذين يقودون يستمدون قوتهم بحكم موقعهم في الهيكل الهرمي بالمؤسسة التي يعملون بها.
في حين أن الاسكندنافيين، كمجتمع غربي، أكثر نفوراً وعدم قبول أو توقع بأن يقودهم أشخاص غير أكفاء. وتبين أن علاقاتهم تقوم على توقعهم وقبولهم بأن تبنى علاقات القوة في مجتمعهم على الاستشارة أو الديمقراطية. فكان مؤشر العرب نحو 95 في حين لم تتجاوز دول مثل النرويج والسويد 31 نقطة!
وما نلاحظه من تسيد الرجال في مجتمعاتنا، كشف عنه النقاب علمياً هوفستد حينما وجد أن العرب يعيشون في مجتمعات ذكورية 60 إلى 45 درجة. في حين أن النرويج والسويد كانت أقل ذكورية بل وبصورة كبيرة بلغت 5 و8 درجات. وهذا يعني أن مجتمعاتنا الذكورية ترتفع فيها وتيرة الحزم والمنافسة الضارية والنفوذ والسلطة. في حين تميل المجتمعات التي تتمتع بـ«ثقافات أنثوية» إلى الاهتمام بالعلاقات ونوعية الحياة.
والمفارقة كانت أن الاسكندنافيين لم يسبقونا كثيراً في التوجه نحو المستقبل (طويل المدى)، فقد تساوت دول مثل السعودية والنرويج (35 إلى 35)، في حين حلت مصر عند مستوى 7 نقاط. وكانت هذه الدراسات قبل التخطيط الاستراتيجي والانفتاح الذي تعيشه المملكة. غير أن السويد سبقت نظيرتها والعرب بتوجهها الأكبر نحو المستقبل (53 درجة). وذلك يعني أن المجتمعات المرتبطة بالمدى الزمني الطويل (المستقبل) تميل أكثر نحو مسألة استمراريتها، والادخار، والمقدرة على التكيف، في حين أن الأمم التي تتصف بتوجهها قصير المدى تميل إلى الثبات واحترام التقاليد والوفاء بالالتزامات الاجتماعية.
يصعب أن تقارن الشعوب في مقالة. ومهما كانت الدراسات فإنها مثل كل البحوث يشوبها شيء من القصور والانتقادات. لكننا كمراقبين أو مهتمين أو مثقفين تهمنا النتائج. فالاسكندنافيون ما زالوا في المقدمة ونحن ما زلنا في مؤخرة ركب التقدم، رغم تاريخنا العربي الزاهر وقيمنا الأصيلة.
[email protected]