روث ماركوس
صحافية اميركيّة
TT

دروس وعبر من ريتشارد نيكسون

بعد 40 عاما من تركه المنصب، لا يزال ريتشارد نيكسون محتفظا بقدرته على الإدهاش والاشمئزاز.
عندما تعتقد أنه لا يمكنك تلقي المزيد من الصدمات إزاء استعداد نيكسون لإساءة استخدام السلطة، واستيائه المغالى فيه وجنونه بالعظمة، تظهر جولة جديدة من الأشرطة في الأفق. وبالاستماع إلى تلك الأشرطة، وإنني أوصي بالاستماع إلى مجموعة «نيكسون يتحدث عن نفسه.. بكلماته الذاتية» لمؤسسة «HBO» الإعلامية، فإنها تدعوك لتذكر، مرة أخرى، الاستيعاب الذاتي شديد الصرامة للرئيس الأميركي الـ37. ويكمن السؤال دائما حول ما الأفضل للرئيس نيكسون، وليس أبدا ما الأفضل للبلاد، واستعداده لاختطاف الميكنة الحكومية لضمان نجاح لا حدود له.
في فضيحة ووترغيت، كانت القضية، كما بدا للعيان، أسوأ حالا من التستر. لقد انفجر نيكسون في مساعديه صارخا: «أريد تنفيذها كما ينفذها اللصوص. اذهبوا إلى هناك وأتوني بتلك الملفات. انسفوا الخزينة وأتوني بها».
يشير نيكسون إلى خطة سابقة ملغاة للسطو على معهد بروكينغز. وفي وقت اقتحام اللجنة الوطنية الديمقراطية، وقد استغرقت مهمة الاقتحام من اللصوص المتخبطين عدة محاولات، كان نيكسون بالفعل قد دبر عملية السطو في مكتب الطبيب النفسي دانيال السبرغ.
كانت عملية التستر مجزوما بها نظرا للجرائم التي سبقت فضيحة ووترغيت، وفقا إلى كين هيوز، مؤلف «الظلال المطاردة: أشرطة نيكسون وقضية شينوه وأصول فضيحة ووترغيت»، الذي أشار إلى لوحة منشورة كان لي شرف المرور عليها في ليلة أخرى.
وقد لاحظ بوب وودوارد في الجلسة التي عقدت بمناسبة مرور 40 عاما على استقالة نيكسون «كانت هناك عقلية تعمل على تنفيذ أي شيء لتعزيز سياسات نيكسون، وتعزيز مكانته السياسية، ولم تكن هناك قيود، بما في ذلك القانون».
كان نيكسون (دعونا نأمل) رجلا خطيرا بدرجة فريدة تمكن من الصعود إلى سدة الرئاسة في البلاد. وكانت الحالة المروعة التي تبعت فضيحة ووترغيت، حيث تابعت الأمة تفسخ البيت الأبيض واقتراب البلاد من أزمة دستورية، كانت، ولا تظل، بفضل القدير، لا مثيل لها في التاريخ السياسي لفترة ما بعد الحرب الأهلية.
في واقع الأمر، إليزابيث درو، التي أرخت لتلك الفترة لصالح مجلة «نيويوركر»، ذكرت التقليل المتعمد من أهمية فضيحة ووترغيت عن طريق إلحاق لفظة «gate» بكل فضيحة من الفضائح الاعتيادية، أو الفضائح الزائفة. ولنضرب مثالا من الأمثلة الراهنة: بقدر ما تساورك الشكوك حول تعامل إدارة الإيرادات الداخلية مع طلب الجماعات المحافظة للحصول على وضعية الإعفاء الضريبي، فإن الأدلة تجمعت حتى الآن لتظهر عدم وجود مؤامرة نيكسونية خطط من خلالها البيت الأبيض لاستخدام إدارة الإيرادات الداخلية لمضايقة الأعداء السياسيين.
فما الصلة التي تربط نيكسون بالعصر الحاضر؟
من المثير للاهتمام (بصرف النظر عن تحذيرات كارل برينستاين المعقولة حيال استحالة تنفيذ حالة «ماذا لو» التاريخية) تصور حلقة جديدة من فضيحة ووترغيت جرى تنفيذ فعالياتها على الخلفية الصحافية والسياسية الحديثة.
هل كان يمكن للتقارير الإخبارية المستدامة والمضنية لوودستاين، والاستعداد الحكيم للمحرر بن برادلي، ليس فقط لنشر ما كشف عنه محرروه، بل ولكبح جماحهم عندما لم يتمكنوا من الحصول على قصة صحافية محكمة بصورة جيدة، أن تنجو من بيئة لزوم معرفة الأخبار التي يتمتع بها موقع «تويتر» والقنوات الإخبارية العاملة على مدار الساعة حاليا؟
إن ذلك أبعد ما يكون عن اليقين.
وحتى لو حدث ذلك، هل كان يمكن للمواطنين المعتادين الآن على تخير مصادرهم الإعلامية بناء على التصرفات السياسية السابقة أن يتقبلوا حقيقة الأمر وقتها؟ مرة أخرى، إن ذلك أبعد ما يكون عن اليقين.
والأهم من ذلك، هل ارتفعت قيمة التحزب فوق جميع المعتركات السياسية كما فعل الكونغرس إبان فترة فضيحة ووترغيت؟
عدم الخوض في ضبابيات الحنكة السياسية لكونغرس فترة ووترغيت، تقول درو: «لم تكن تُعدّ شجاعة فحسب من جانب الجمهوريين، فلقد كانوا خائفين، وأرادوا فقط إخراجه من هناك للحفاظ على أنفسهم».
ومع ذلك، من الصعب تصور الكونغرس ذي العضو داريل عيسى أو تيد كروز، وهو يتعامل مع فضيحة ووترغيت، وهناك ما يكفي من التحزب بين الديمقراطيين مما يدعو إلى التساؤل حول كيفية تعاملهم مع الاتهامات بالتصرفات الخطيرة من جانب المسؤولين الديمقراطيين.
مما يعني، بكل أسف، أن الإجابة عن تساؤل: هل يمكن لكونغرس العصر الحديث أن يوقف نيكسون العصر الحديث؟ تحمل القليل للغاية من اليقين.

* خدمة «واشنطن بوست»