د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

الإعلام بين الحرية والفجور في الخصومة

رفع قميص عثمان والسباب والملاسنة ونشر الأكاذيب والرجم بالغيب لن يكون أبداً مفهوم الإعلام، فحرية الإعلام تقف أمام مصادرة الحقيقة والفكر وكبت حرية النشر وغياب المعلومة من المصدر، وهذا ما جعل جل الإعلام عامة والعربي خاصة، متأخراً عن غيره في زمن العولمة والإنترنت، وقد يبرره غياب المهنية والحرفية في تقصي المعلومة الصحافية وتناول الخبر ضمن عناصره (متى وأين وكيف ولماذا وماذا)، فعمل بعض الصحافيين ضمن إطار الدعاية الحزبية الفئوية، مما تسبب بانتقائية الخبر لديهم، وبغياب الموضوعية والشفافية في التعاطي مع الخبر، كمصدر فقط لا غير، إضافة إلى تناول الإشاعة والخبر المبتور، على أنه المصدر المؤكد للمعلومة والتعامل مع الظن على أنه يقين ما دام ذلك في مصلحة الحزب أو الفئة المناصر لها، مما تسبب بإرباك للمشهد العام، وفي ذلك قال المفكر الصيني لاو في كتابه TAO: «إن الحكيم في إدارته يفرغ العقول ويملأ البطون حتى إذا تحررت الناس من المعرفة لم يبق للمفكرين دور يلعبونه».
فالحديث بلغة واحدة قد لا يكون سبباً للتفاهم، فالأميركيون والبريطانيون شعبان تفصل بينهما لغة واحدة هي الانجليزية. كذلك العرب أمة عربية تفصل بين دولها لغة واحدة، ولعل هذا ينطبق على الإعلام العربي في زمن العولمة، إذ بدلاً من أن يصنع البعض إعلاماً ناجعاً، صار هناك إعلام راقص وآخر للشتم والسباب، بينما الصهيونية العالمية في البروتوكول الخامس ترى طريقاً للسيطرة على الآخر من خلال «الصحافة»، والتأثير في الرأي العام للناس عبر ثنائية غزل الكلام والانتقاد والتجريح وكيف يمكن لها القبض على أعنة الرأي العام، وكل يناصر فريقه على حساب الحقيقة وأصبحنا لا نشاهد الصورة إلا مجتزأة تضطر البعض للبحث في مصادر متعددة لاستكمال الصورة، في محاولة لمحاكاة الإعلام الصهيوني في تعاطيه مع الخبر، في إشارة واضحة لقتل الحقيقة، التي لا تخدمهم، فهم من اغتصبوا حرية الصحافة وسيطروا على الإعلام، وغيبوا الحقيقة.
رغم الزخم الإعلامي فإن الحقيقة غائبة، أو تكاد تكون مغيبة بالمعنى الأصح، فالإعلام كان دائماً له الدور الفعال في تحريك الناس، وتكوين أفكارهم وتصوراتهم للمشهد.
ففي انتفاضات ما سمي «الربيع العربي»، التي عمل الإعلام - وخصوصاً القطري عبر «الجزيرة» وأخواتها - في نشر الأكاذيب بشتى أنواعها حتى طالت الفتوى بجواز الخروج على الحاكم، فجلبت عمائم ألبستها لشخوص صنعت منهم شيوخاً لم يمنعهم الحياء من الفجور في الخصومة، فكال الكثير منهم الأكاذيب والشتائم، فتجربة «جزيرة» قطر كانت ولا تزال عنواناً للفجور في الخصومة.
إن العبث والإسراف والإطناب في الكذب والتضليل، يجعل الحقيقة مغيبة، حتى في وجود شهود العيان، وفي حالنا هذا نحن بحاجة إلى إعلام مستقل، شفاف مهني لا تحركه الإشاعة والخصومة كمصدر للخبر.