إميل أمين
كاتب مصري
TT

القاهرة ـ الرياض... روابط تاريخية وشراكات مستقبلية

ألقت زيارة الدكتور عبد الله بن محمد آل الشيخ رئيس مجلس الشورى السعودي والوفد المرافق له إلى القاهرة، الأضواء من جديد على عمق العلاقات المصرية - السعودية في الماضي والحاضر، وأكدت وجوبيتها في المستقبل، انطلاقاً من أن القاهرة والرياض هما عمودا الخيمة العربية دون تهوين أو تهويل، لا سيما أن العالم مقبل على عام جديد يقول عنه العارفون بالأمور إنه عام تحديات جسام، خصوصاً في ظل حالة من حالات الارتباك الدولي، بصفة عامة، وفي الإقليم، بنوع خاص، ما يستدعي تضافر الجهود للقفز على التحديات، ومداواة الجروح الثخينة في الجسد العربي الذي فتتته الفتن، وفرّقته الاختلافات.
في استقباله للضيف السعودي والوفد المرافق له، أشاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالمواقف التي وصفها بأنها مُقدَّرة للمملكة العربية السعودية الشقيقة قيادة وشعباً تجاه مصر على جميع الأصعدة، مؤكداً أنها تعكس، وعن حق، واقع حال الروابط التاريخية المتجذرة، والمودَّة المتأصلة بين البلدين، فضلاً عن التحالفات الاستراتيجية الوطيدة في الحال والاستقبال.
يفتح الرئيس السيسي برؤية إيجابية وخلاقة مسارب، ويخلق مسارات جديدة للتعاطي البناء بين الشعبين الكبيرين قيمة وقامة، حضوراً ديموغرافياً ومكانة جغرافية، ولهذا رأيناه يطالب بضرورة الارتقاء بقنوات التواصل الشعبية بين الجانبين على المستوى البرلماني، وهو أمر يفهمه المراقب لتطورات الأحداث في المنطقة وحاجات الشعبين قريبة الشبه، عطفاً على الرؤى المتماثلة بخصوص 2030، وجميعها تستدعي حالة من تضافر الجهود المجتمعية التي يقوم عليها نواب الشعبين في المملكة ومصر من أجل استشراف مستقبل يصون كرامة الإنسان العربي، ويعزز من حضوره على المستوى العالمي.
يتذكر المصريون قيادة وشعباً مواقف يطول شرحها، كانت المملكة فيها سنداً وعوناً لمصر، وربما آخرها، في الوقت القريب، الدعم الكريم أدبياً ودولياً خلال ثورة المصريين في الثلاثين من يونيو (حزيران) 2013 ضد الجماعات الظلامية، وقد كانت جولات وصولات الأمير الراحل سعود الفيصل (رحمه الله) حول العالم لدعم ثورة المصريين حدثاً فريداً لم تعرفه السياقات الدولية من قبل، وتبقى توجيهات المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز له ولبقية الدبلوماسية السعودية مكتوبة بأحرف من نور في سجلِّ علاقات البلدين.
في لقاء الضيف السعودي مع رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، كانت المشاعر المصرية، بل النيات الحقيقية، حاضرة، وتبعث برسائل للقاصي والداني، مفادها أن العروة الوثقى بين الشعبين ليست حديثاً عاطفياً أو تنظيراً بلاغياً، بل هي حقيقة قابلة للترجمة على أرض الأحداث حال وقع الخطوب، فقد أشار الدكتور مدبولي إلى أن ما قاله الرئيس السيسي من أن «أمن المملكة هو خط أحمر ومن صميم أمن مصر إنما يعبِّر بحق عن الموقف المصري الراسخ تجاه الأشقاء في السعودية، ويؤكد ما يربطنا من وحدة المصير».
الماضي المجيد لا يغني عن متابعة النهضات الإصلاحية في البلدين على الأصعدة كافة، فقد حان الأوان ليلحق العرب بمقدمة شعوب العالم، فبالتعاون الإيجابي والشراكات المستنيرة تنفتح الآفاق وتتحقق الأحلام.
في اللقاءات المتعددة التي عقدها الدكتور آل الشيخ، كان تثمينه كبيراً وكثيراً «للجهود البناءة والملموسة في مصر خلال السنوات الأخيرة للنهوض بالدولة على كافة المحاور التنموية، وبخاصة المحور الاقتصادي، من خلال تطوير البنية التحتية وإقامة المشروعات العملاقة في مختلف أنحاء الجمهورية، وفي شتى المجالات في مدة زمنية قياسية».
التقدير المتميز الذي أبداه الدكتور آل الشيخ يعبِّر وبالفعل عن حالة استنارة مصرية داخلية، وإرادة سياسية واعية وخلاقة تمضي في إطار بناء مصر عصرانية قلباً وقالباً، دولة تنفض عنها غبار تراكمات عقود سابقة، وتسعى لتجديد شبابها كالنسر على قمم الجبال.
عادةً ما تحتاج الأحلام العظام لشراكات دولية، وفي هذا الإطار فإن أوجه التعاون المصري - السعودي القائمة والمقبلة تلقي بظلال وارفة من الأمل في الغد، ويبقى مشروع «نيوم» على سبيل المثال باباً من أبواب المستقبل للسعودية ولمصر ولمنطقة البحر الأحمر برمَّتها، وهناك العديد من المشروعات المماثلة التي تبشِّر بخير كبير لشعبي الدولتين.
في هذا السياق، وكما أشار رئيس الوزراء المصري، فإن جميع أجهزة الدولة المصرية تعمل على قدم وساق وتسابق الريح كما يقال «من أجل حل المشكلات العالقة التي واجهت بعض المستثمرين السعوديين حتى يتمكنوا من استئناف استثماراتهم في مصر»، وفي الوقت ذاته، يتطلع المصريون لأن يشاركوا بأريحية ومودّة في الدخول إلى سوق العمل السعودية والإسهام في تنفيذ «رؤية المملكة 2030»، التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
مبهج ومدعاة للتفاؤل التنسيق والتعاون المشترك العربي - العربي في حاضرات أيامنا؛ ففي وقت نرى فيه الاتحاد الأوروبي تتفكك دوله، ترتقي العلاقات بين العواصم العربية وتتعاضد الجهود من أجل رؤية مستقبلية مشتركة.
والأكثر إثارة أنه في حين تفتح المملكة ومصر والإمارات أبوابها للتصالح والتسامح مع الآخر، وتسعى لإعادة الأمجاد العربية التاريخية حضارياً وثقافياً، نرى المد اليميني وصراع الهويات العرقية بل والعقائدية يتعالى في الغرب.
القاهرة - الرياض... المقبل أفضل ولا شك.