خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

تنيسون في شيخوخته

ليس لشاعر البلاط في بريطانيا الآن أهمية كبيرة، ولكن هذا المركز بلغ أوجه في عهد الملكة فيكتوريا بعد أن منحت تنيسون لقب لورد وعينته شاعراً للبلاط poet laureate وقد زارته الكونتيسة أوكسفورد في صباها ودونت هذه الملاحظات عن لقائها به. «كانت السيدة تنيسون مقعدة فاستقبلنا الشاعر بنفسه. وكان مخلوقاً رائعاً عند النظر إليه. كل شيء فيه كان رائعاً؛ طول قامته ورشاقة جسمه وهيبته وملامح وتقاسيم وجهه. فضلاً عن ذلك كان قد حاز تلك الصفة التي ذكرها الكاتب جورج مرديث، أعني بها الميل الأنثوي للكمال. استقبلني بهذه الكلمات: حسناً، هل أنت ذكية ومتحركة مثل أختك لورا؟».
لم أسمع كلمة «متحركة» من قبل. ولا من بعد في الواقع. وللإجابة عن هذا النوع من الهجوم المباشر، لا بد للإنسان أن يكون وقحاً أو ذليلاً. لهذا لم أقل شيئا يذكر جواباً له. ثم غير الموضوع فسألني: «هل قرأت رسائل جين كارلايل؟» قلت: نعم وأعتقد أنها رائعة. ويبدو أن من المؤسف أن هذين الاثنين (جين وتوماس كارلايل) تزوجا معاً ولم يتزوجا بأناس آخرين. فلربما ذاقا طعم السعادة عندئذ.
أجابني تنيسون قائلاً: إنني لا أتفق معك قط. أي ترتيب آخر لزواجهما كان حرياً بأن يؤدي إلى أربعة أشخاص بدلاً من اثنين تعيسين فقط!
ذهبت بعد ذلك لغرفتي. كان اللورد تنيسون يعيش بأسلوب غريب. تناولنا العشاء مبكراً. ثم ذهب الشاعر للنوم. نزل من غرفته عند الساعة العاشرة. وعندئذ يقرأ شيئا من شعره لضيوفه حتى منتصف الليل، إذا طلبوا منه ذلك.
لبست أبهى ملابسي للأمسية الأولى. وجلست بجانبه عندما عاد من النوم. التمست منه أن يقرأ لنا من شعره، سألني قائلا: «ماذا تريدين أن أقرأ»؟ قلت: قصيدة مود. قال: هذه قصيدة كرهت كتابتها عندما نشروها. لم أجد ما يكفي من الكلمات في ذمها. كنت وغداً ومتوحشاً وملحداً. ستعيشين حتى تمتلئي حقداً وكرهاً للنقاد وللجمهور كما امتلأت أنا.
بينما كنا نتكلم هكذا، لاحظت بين مجموعة الكتب المطروحة على الأرض نسخة صغيرة من قصيدة مود بطبعة رخيصة مغلفة بورق أزرق. وضعتها بين يديه وجئت بالفانوس ووضعته جنبه فبدأ بالقراءة. بدأ بمقطوعة «طيور في حديقة القصر العليا». عندما انتهى من قراءتها جرني إليه وجعلني أجلس فوق ركبته ثم قال لي: كتب كثير من الناس مثل هذا الشعر. ولكن قليلاً مما كتبوا جاء بهذا الوقع على أذن السامع.
لم أجبه بشيء ولكنه مضى فقال إنه مر بتجربة قاسية مع فتاة كان يقرأ لها نفس القصيدة. قال: كانت تجلس على ركبتي كما تجلسين أنت الآن. بعد أن انتهيت من قراءة هذه الأبيات:
طيور في حديقة القصر العالية
عندما لاح شفق الغروب
مود... مود... مود... مود
كانت تصيح وتنادي بهذه الأصوات، ثم سألتها، أي طير كنت أعني كما فهمت منها؟ فقالت: البلبل. أثار هذا غضبي حتى كدت أرمي بها للأرض. ولكنني صحت بها «كلا يا غبية! إنه طير الغداف».