حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

ترمب والتحقيق والبنوك: غموض!

في حقبة الثمانينات الميلادية من القرن الماضي، سقط أحد أكبر البنوك التجارية وقتها، المعروف باسم بنك الاعتماد والتجارة. وكانت الروايات التي تم تداولها عن سبب انهيار البنك تتحدث عن انكشافه لعدد كبير من القروض «غير الآمنة». ولقد كشفت الأيام لاحقاً أن البنك كان يقوم باعتماد وصرف المعاملات «الدولارية» من دون المرور عن طريق المقاصة في نيويورك.
لقد كانت هذه أول مكالمة إيقاظ بالنسبة لي عن عالم المصارف القابضة. الآن، هناك حديث متجدد عن حل مقترح لأزمة شركة «القصيبي» العريقة، التي دخلت في مشاكل عويصة مع المصارف السعودية والدولية نتاج تصرفات رجل أعمال تتهمه المجموعة بسلسلة من المخالفات خلال إدارته المجموعة، ولكن كل ذلك لا يمكن أن يكون قابلاً للاستمرار والتحقيق من دون مساعدة ومشاركة من مسؤولين في بعض المصارف نفسها للمساعدة في تحقيق المطلوب. ولم يتوقف الحد عند ذلك، بل كانت هناك شبهة أخرى، عندما قام أحد محافظي البنوك المركزية في أحد البلدان العربية الكبرى، قدم له «غطاء» مناسباً جداً عندما صرح بأنه قد سدد مستحقاته كافة للبنوك، ليتبين بعد ذلك أن هذا التصريح لم يكن سوى هراء مقصود لمآرب أخرى.
إنه عالم المصارف المريب. سويسرا انتعش اقتصادها بشكل عظيم وهائل نتاج الحسابات السرية التي كانت بوابة الفساد والحكم غير الرشيد في دول العالم الثالث والأول، ومدخلاً لبوابة الرشاوى والمصالح المتضاربة بشكل مقزز، هذه المصارف تواجه حملة مهولة من الضغوطات الدولية «لمكاشفة» عميقة لكل بياناتها، وعن مصادر هذه الأموال، وهي متى ما فعلت ذلك «حقيقة»، سيكون ذلك سبباً في انقلابات مالية حادة حول العالم، تهدد السلم السياسي والاجتماعي.
الآن، هناك موجة حادة يتلقاها النظام المالي الألماني، ستهز ثقة «البوندزبنك»، البنك المركزي الألماني عماد الاقتصاد الأوروبي الأهم، إذ أعلن مسؤولون في الحكومة الأميركية ووزارة العدل فيها عن استعدادهم لمساءلة أكبر المصارف الألمانية «دويتشه بنك» بتهم الشبهة في غسل الأموال، فيما يخص التحقيقات المتعلقة بالعلاقات المالية بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وروسيا، ودور هذا البنك في كل ذلك. وهناك «رائحة» تصعد في أنوف المحققين، تشير إلى أن هذا البنك سيكون «الدليل القطعي» الذي سيربط كل الحلقات المفقودة ببعضها، ليتمم البيانات المطلوبة لإتمام ملفات خاصة قد تدين الرئيس الأميركي. وعلى الأرجح، فإن هذه هي الملفات التي «يبتز» بها الروس الإدارة الأميركية، وليست - كما يتردد - «شرائط جنسية» كما يجري الترويج له بشكل مكرر.
هناك مفاجآت تحضرها لنا سنة 2019، فيما يخص ملف التحقيقات الخاص بالرئيس ترمب، وعلى ما يبدو مفتاحها سيكون في البنك الألماني.
قالوها قديماً: استمر بالسير خلف طريق التمويل، وسيأتيك الدليل. إنه عالم البنوك الغامض. فلنحبس الأنفاس وننتظر.