جون أوثرز
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

ترمب وشي أنعشا الأسواق

يا له من سيرك. يا له من عرض. اعتدنا من بوينس آيرس دائما على عرض الدراما السياسية، والأسبوع الجاري قدمت بوينس آيرس المسرح للصين والولايات المتحدة لقضاء ما يمكن اعتباره بلغة الرياضة، وقتا مستقطعا من حربهما التجارية المتفاقمة. فكلتاهما كانت في حاجة إلى فترة للراحة، وكلتاهما في حاجة لأن تشعر بأنها قد فازت بشيء ما. ولذلك كان توقيع الاتفاق أمرا مرجحا.
ما حققتاه لم يكن أكثر مما توقعه الكثيرون، لكنه تضمن أيضا غالبية ما توقعه الكثيرون. وجاء ما اتُفق عليه في صالح دوائر انتخابية بعينها كانت لها مطالبها الخاصة، مثل مزارعي فول الصويا. لكن جرى تجنب الخطر الحقيقي (مواجهة غاضبة تنتهي بتبادل الاتهامات وفشل في الوصول إلى اتفاق). وبحسب ما أشارت ديانا شوليفا، الخبيرة الاقتصادية بشركة «إندو إكونوميكس»، فإن الفترة الحالية ما هي إلا هدنة، وليست إنجازا تحقق على الأرض، يعطي كلا الطرفين مهلة 90 يوما لتكثيف المحادثات في القضايا الأصعب والأعقد.
بالنسبة لواشنطن، فإن نقل التكنولوجيا، حقوق الملكية الفكرية، وإزالة التعريفات الجمركية تعد الأهم، ونتوقع أن تتراجع الصين عن كل ذلك، لكن طموحات قيادتها للتكنولوجيا المتطورة أمر لا نقاش فيه. ومن المتوقع أن تتطور الحرب التجارية إلى حرب تكنولوجية عام 2019. وهي الحرب الأهم. فالجميع يدرك أن العلاقات الأميركية الصينية أمر بالغ الأهمية للعالم، وأن الحل قد يستغرق سنوات طويلة. إن قراءة سريعة للتاريخ القديم بقيادة «توديدس»، كما شاهدنا الأسبوع الماضي، كفيلة بأن توضح أن المستثمرين يدركون أن ما يحدث هو صراع طويل الأمد يفوق حدود الاقتصاد، وأنه لن يحل على عجل. وبحسب ما أشار وين ثين، خبير العملة الاستراتيجي بمؤسسة «براون بروذرز هاريمان»، فقد يتحول ذلك إلى ركلة ترتد على المستثمرين عام 2019. هذا صحيح، وهنا نقول إن أحد الجوانب السلبية الآنية قد تلاشى، لكن على المدى البعيد ستظل كافة المخاطر قائمة.
وقريبا سنعود إلى المشكلة الأساسية الأخرى، وهي تباطؤ الاقتصاد الصيني. فبحلول صباح الاثنين (أمس) في أوروبا والولايات المتحدة، سيكون أمامنا أحدث مؤشر لمديري المشتريات في قطاع الصناعة الصيني. وقد أشار أحدث الأرقام التي أظهرها مسح «كايكسين» إلى رقم 50.0، الذي يمثل الحد الفاصل بين التمدد والانكماش، وهو ما يعني أن أي تراجع قادم في «مؤشر مديري المشتريات» سيوجه المخاوف التجارية مجددا إلى محاولات الصين المضنية لتفريغ فقاعتها الائتمانية من دون التسبب في أزمة.
الأهم من التخفيضات الضريبية، أن ترمب استطاع في عامه الأول كرئيس أن يحدث تطورا في صالح السوق. فقد وعد ترمب بتخفيض الضرائب على الشركات، وهو ما حدث بأسلوب مبهر. فمن الصعب تحديد الحجم فيما يخص رفع الضوابط، لكن مركز الدراسات التنظيمية بجامعة جورج واشنطن صمم موقعا غنيا بتلك البيانات. وبحسب المركز المذكور، عندما يتعلق الأمر برفع الضوابط، فإن شيئا مهما قد حدث في عام ترمب الأول ألا وهو إحداث تأثير كبير في القطاع الخاص.
لنأخذ السجل الفيدرالي كمثال، وهو المكان الذي تنشر فيه القوانين الفيدرالية منذ عهد الرئيس فرانكلين روزفلت. ففي العام الأول لترمب تقلص حجم هذا السجل بدرجة كبيرة تعد الأكبر منذ عهد الرئيس هاري ترومان عام 1947، الذي حاول خلاله إبعاد شبح الحرب عن البلاد.
وإذا أحصينا كمية القوانين التي يضمها هذا الكتاب، فهو حاليا في نفس الحجم الذي كان عليه في السنوات الأخيرة من عهد كارتر. صحيح أن إدارة ريغان قلصت من كمية القوانين، لكن ليس بالدرجة التي حدثت في عهد ترمب.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»