طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

البحث عن «ماركة»

بينما كانت الدنيا مشتعلة عبر (السوشيال ميديا) وفي نقابة الممثلين المصرية، كالعادة وجدها أحد المحامين فرصة للشعبطة في قطار الشهرة، فأقام دعوى قضائية بسبب الفستان إياه الذي ارتدته النجمة الباحثة عن إثارة الجدل حولها، فوجئنا بتلك الممثلة وهي تؤكد أن الفستان «ماركة» معروفة عالمياً، وأنه كلفها مبلغا، وأشارت إلى بيت الأزياء الذي صنع الفستان، يبدو أنها تريد التأكيد للجميع أنها تبحث عن الأغلى، على الجانب الآخر تابعت ممثلة شابة تفاخرت على الملأ بأنها تشتري الأرخص، مما يتم بيعه من ملابس في (وكالة البلح)، التي تحصل على البضاعة من الفساتين، بعد أن صارت بها عيوب، أو انتهى عمرها الافتراضي وتغيرت الموضة، فتتخلص منها الشركات الكُبرى بمبالغ زهيدة، وأحيانا يبيع الناس ملابسهم المستعملة مقابل جزء يسير من المال، ويبدأ أصحاب تلك العربات والمحلات المنتشرة بتوزيعها على الأرصفة، لم تعد (وكالة البلح) قاصرة فقط كما يعتقد البعض على محدودي الدخل، حيث إن الطبقة المتوسطة صارت تجد فيها الملاذ الأخير.
المعروف تاريخيا أن تلك المنطقة، الكائنة بوسط مدينة القاهرة، كانت تستقبل البلح الذي يأتي من الصعيد بالجملة ويتم بيعه بالقطاعي، وذلك منذ ثلاثينات القرن الماضي، وبعدها بدأ بعض التجار يحضرون ملابس من الشام لبيعها في القاهرة، حتى اختفى تماما بيع البلح واستمر فقط اسم وكالة البلح.
في كل دول العالم ستجد أسواقا مشابهة، أماكن فقيرة في أوروبا وأميركا والكثير من الدول العربية تبيع ما هو أرخص.
الماركة بالطبع تعبر عن الثراء المادي، اكتشف مثلا أحمد زكي في بداية المشوار أن أحد منتجي الأفلام يهديه ماركة مزورة لحذاء، بينما الماركة الأصلية يمنحها للنجم، أحمد لم يكن يعرف حكاية الأصلي والتقليد، ولكن أحد النجوم الكبار أراد إثارته فأخبره باللعبة، فقرر أحمد شراء الماركة الأصلية له وللنجم.
حكى لي صلاح السعدني أنه استعار من إحدى الصحافيات قميص شقيقها، لأنه كان في مطلع الستينات ذاهباً للتلفزيون للقاء مخرج وليس لديه قميص مناسب.
عمرو سعد في آخر حوار له مع الإعلامية منى الشاذلي كشف أنه استعار بدلة «سموكن» من أحد أصدقائه حتى يحضر بها عرض فيلم «الآخر» في مهرجان كان.
كاتب هذه السطور له قصة مع «السموكن والببيون»، عندما تولى النجم حسين فهمي قبل عشرين عاما رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي، فقرر أن ينتقل بالمهرجان لدار الأوبرا، واقترح إلزام الحضور بضرورة ارتداء الزي الرسمي، فكتبت مقالا أعارضة عنوانه «كرافت آه ببيون لا».
وتقدمت بالمقال لنقابة الصحافيين، وفزت بالمركز الأول، فقررت أن أشتري بنصف مبلغ الجائزة ومن «كان» البدلة السموكن والببيون، ثم أنفقت النصف الآخر أيضا في «كان» على الضبط والتقفيل لتصبح على مقاسي، وارتديت في الافتتاح البدلة السموكن والببيون، وهكذا انتصر في النهاية حسين فهمي!
لا يمكن أن تصبح الماركة هي الفيصل لأي شيء، ولكن الإنسان هو الذي يمنح ما يرتديه قيمته وماركته، أولاد البلد يضعون على سيارتهم الصغيرة «التوكتوك» هذه العبارة «ماتبصليش بعيون ردية - بص للي اندفع فيّ)، لأنهم فعلا دفعوا فيها تحويشة العمر.
ستنتهي قريبا معركة الفستان إياه «الماركة»، وسوف ينتصر فستان (وكالة البلح)، ومن أعلنت بشجاعة أنها ترتدي المستعمل من «الوكالة» سينحاز لها الناس، لأنها تمثل حزب الأغلبية.