صالح القلاب
كاتب أردني. وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق، وعضو سابق في مجلس أمناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق.
TT

«الشرق الأوسط» جوهرة يومية تهديها السعودية لأشقائها العرب

كان مجلس الأمناء السابق لـ«الشركة السعودية للأبحاث والنشر»، التي كان على رأسها في تلك الفترة، الأمير فيصل بن سلمان، الذي هو الآن أمير المدينة المنورة، قد أعد مجموعة من الدراسات والتحليلات والتقارير حول مطبوعات هذه الشركة، وفي مقدمتها صحيفة «الشرق الأوسط»، الرائدة والطليعية فعلاً. وقد أشرف على إعداد هذه التقارير العضو الفعال في هذا المجلس، الدكتور حمزة بيت المال، بتوجيه مباشر من الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، الذي يحظى باحترام كبير في المملكة العربية السعودية، وبخاصة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، المعروف بمتابعته لكل ما ينشر في مطبوعات هذه الشركة، وأيضاً لكل ما تنشره كبريات الصحف العربية والدولية.
كنت عضواً في هذا المجلس، وأحد كتّاب وصحافيي مطبوعات هذه الشركة، أولاً في مجلة «المجلة»، التي ما كان يجب تغيبها وعلى هذا النحو، وبخاصة في هذه الفترة العصيبة، وثانياً في «الشرق الأوسط» التي لا أجافي الحقيقة إن أنا قلت إنها لا تزال تشكل درة عقد الصحافة العربية المقيمة والمهاجرة، والتي أثبتت وتواصل الإثبات أن الصحافة الورقية المكتوبة لا تزال تلعب دوراً رئيسياً وفي غاية الأهمية، في عصر المواقع الإلكترونية وعصر الفضائيات التي تجاوزت الحدود، وأصبحت تتجرأ على ما لا يمكن أن تتجرأ على نشره الصحافة التقليدية، التي احتفظت بوقارها وبمهنيتها، والتي لا تزال تحظى باهتمام وتقدير قطاع كبير حتى من الأجيال الصاعدة.
لقد اتفقت في ذلك الوقت المبكر، وأتفق الآن مع كل من قال ويقول، إن الرأي السعودي والخبر السعودي، وأيضاً الشأن السعودي، يجب أن يكون حاضراً وموضع اهتمام رئيسي في «الشرق الأوسط»، فهذا أمر ضروري، إن نحن أخذنا بعين الاعتبار الدور القيادي للمملكة العربية السعودية، عربياً وإسلامياً ودولياً، الذي يتطلب وبالمقدار نفسه أن تكون هذه الصحيفة بلونها «الأخضر» صحيفة عربية، إنْ لجهة الخبر الذي يفرض نفسه في كل الأحوال، وإنْ لجهة الرأي الذي لا بد من أن يكون فيه انحياز مؤكد، وبخاصة إذا كان الأمر العربي المعني يشكل إجماعاً عربياً، كالقضية الفلسطينية، وككثير من القضايا المستجدة والطارئة، كهذه المواجهات التي فرضها الإيرانيون على العرب من قبيل الدفاع عن أنفسهم، وعن قضاياهم الوطنية والقومية.
والحقيقة - وهذا غدا مؤكداً ومعروفاً - أن «الشرق الأوسط» بهويتها وشخصيتها قد بدأت في ذلك الوقت المبكر في عام 1978، كمشروع إعلامي عربي، أي في فترة غياب الإعلام العربي، وغياب الصحف ذات الأهداف العربية التي تتوجه إلى العرب وتخاطبهم كلهم، وتتحدث عن همومهم في كل أقطارهم، وعن مشكلات من منهم في المنافي القريبة والبعيدة. وهكذا فإنها - أي هذه الصحيفة الطليعية - ركزت على ضرورة استقطاب القارئ العربي، إنْ في وطنه الكبير والصغير، وإنْ في دول العالم البعيدة.
وعليه، وتواؤماً مع هوية «الشرق الأوسط»، ومع التزاماتها وشخصيتها، ولأنها بدأت مشروعاً إعلامياً عربياً ولا تزال، فقد انطلقت عندما انطلقت من لندن في بريطانيا، كأول صحيفة بهذا الحجم، وبكل هذه المسؤولية العربية والاهتمام العربي، بجهاز تحريري غالبيته المطلقة من العرب، وبكتّاب عرب في غالبيتهم، في البدايات من اللبنانيين، وهذه في الحقيقة مسألة منطقية، فلبنان في تلك الفترة المتقدمة كان بلد الصحافة والصحافيين، والسبب الرئيسي في هذا المجال أنه كان يحظى بمساحة حريات عامة بحكم عوامل كثيرة، لم تكن تحظى بها أي دولة عربية، لا في مغرب هذا الوطن الكبير ولا في مشرقه.
وهنا، فإنه بالإمكان أن أشير - وهذا كنت قد قلته مكتوباً لمجلس أمناء «الشركة السعودية للأبحاث والنشر» عندما كنت عضواً فيه – إلى أن «الشرق الأوسط» التي كانت ولا تزال «جوهرة» مطبوعات هذه الشركة، يجب عدم إصدارها في عدد من الطبعات المختلفة، برؤساء تحرير فعليين غير رئيس تحرير الطبعة المركزية الرئيسية (في لندن)، وبمحررين غير محرري هذه الطبعة، فهذا ومع الوقت سوف يفقدها هويتها الحقيقية والفعلية، وهي مسألة كانت قد مرت بها بعض الصحف العربية، وكانت النتيجة أن القراء قد نسوا الطبعة الرئيسية.
وهكذا، فإنني قد قلت أيضاً في تقريري إلى المجلس، إنني أجد أنه ضروري كاستجابة لعامل الوقت بين قارئ الأمس وقارئ اليوم، ألا تكون أخبار «الشرق الأوسط» مطولة وطويلة، وألا تكون هناك ملفات متخصصة متعددة بصفحة وبصفحتين وأكثر، فهذا كانت قد جربته بعض الصحف العربية، وكانت تجربة فاشلة بكل معنى الكلمة. فالقارئ مع وجود كل هذه الفضائيات، وكل هذه المواقع الإلكترونية قد تغير، وهكذا، وإذا كان الوقت قبل سنوات من فضة فقد أصبح من ذهب، فالمطلوب في هذا المجال هو: «ما قل ودل». وهذه الصحيفة الطلائعية العظيمة حقاً، صاحبة ليست تجربة واحدة، وإنما تجارب متعددة وكثيرة.
وكل هذا - كما قلت في تقريري المشار إليه آنفاً - ضروري جداً، أن تحافظ «الشرق الأوسط» على ألقها المعهود، بالنسبة للمذكرات المهمة، وبالنسبة للاستطلاعات الميدانية ذات النكهة الخاصة، وبالنسبة للسبق الصحافي الذي وضعها دائماً وأبداً في الطليعة على شاشات الفضائيات، وفي مقدمة أخبار وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الإلكترونية الجديدة، مما ساعد في التسويق الهادف بالنسبة للموارد الإعلانية.
إنه لا بد من الإشارة هنا إلى أن مقالات «الشرق الأوسط»، إنْ سابقاً وإنْ لاحقاً وحتى الآن، تنقسم إلى ثلاثة أنواع أو ثلاثة أشكال: أولها مقالات صفحة الرأي «الأسبوعية»، وهي في العادة عبارة عن مقالين يوميين رئيسيين، يعلوهما الرسم «الكاريكاتيري» اليومي، الذي أجد أنه تراجع كثيراً بعد فقدان الأستاذ والفنّان المبدع محمود كحيل - رحمه الله - الذي كان أحد أساتذتي الكبار في كلية الصحافة في الجامعة اللبنانية، والذي عوَّض بعضاً منه الزميل العزيز أمجد رسمي، الذي أرجو أن أشير إليه بألا يكرر نفسه في بعض «الرسومات» الغامضة جداً في بعض الأحيان!
وأيضاً وكما قلت في تقريري هذا: إن المعروف أن طبيعة مقالات هذه الصفحة تحليلية، ولذلك فإنه لا بد من أن يُعطى الكتّاب الذين يتناوبون عليها على مدى أيام الأسبوع، المساحة الكافية التي لا تتجاوز الألف كلمة، لتجنب الملل وعدم المتابعة. أما المقالات الأخرى، فهي مقالات الرأي القصيرة والمختصرة جداً. وحيث إن لكل كاتب طريقته الخاصة لإيصال وجهة نظره ورأيه في إحدى القضايا المثارة المسترعية لانتباه القراء، وبمفردات من المفترض أنها رشيقة وقريبة من اللغة المتداولة، وبعيدة عمّا يسمى الـ«تقعير» واستعراض المقدرة الإعجازية!
وإنّ ما تجدر الإشارة إليه، هو أن المقال الثالث، الذي هو المقال الخفيف الظل الذي طرأ على «الشرق الأوسط» في السنوات الأخيرة، هو المقابل في الصفحة الأخيرة لمقال الأستاذ الكبير سمير عطا الله، والذي يكتبه بانتظام متقطع الأستاذ مشعل السديري، وكل هذا بعد رحيل الكاتب المبدع خفيف الظل، أنيس منصور، رحمه الله.
ثم إنه في غاية الأهمية، وكما تفعل «الشرق الأوسط» الآن، أن يتم استكتاب بعض كبار المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين، وأنْ يخُصَّ بعض رؤساء الولايات المتحدة هذه الصحيفة بأحاديثهم، وذلك لأن هذا يدل على مدى الاهتمام بالمملكة العربية السعودية، كرقم رئيسي في المعادلة العربية والشرق أوسطية والإسلامية، ولذلك وما دامت أميركا هي التي تقود العالم كله، وأنها الفاعل الدولي الرئيسي في هذه المنطقة بفعل عوامل كثيرة، فإنه يجب بالضرورة أن يجد كل معني أميركي ما يريده في هذه الصحيفة عن هذه المنطقة الاستراتيجية، التي هي الآن الأكثر التهاباً في العالم بأسره.
وعليه، وفي النهاية، فإنه لا بد من التنويه إلى أنَّ البعض يرى أنه غير جائز أن يُفسح المجال لأي مخالف للسياسة السعودية ليكتب في «الشرق الأوسط». وكان رأيي: أنني لمست من كبار المسؤولين السعوديين، أنهم مع أن يظهر الرأي المخالف في هذه الصحيفة، على ألا يكون متجنياً ولا شتاماً، ولا يلجأ إلى التجريح وإثارة النعرات القبلية والطائفية، وألا يتجاوز بعض الأمور الدينية، كل هذا على أن تبقى هذه الصحيفة الرائدة الهدية اليومية التي تقدمها المملكة لأشقائها العرب، من منهم في ديار الغربة والمَهاجر، ومن منهم في دولهم الشقيقة.