حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

وما أدراك ما الديمقراطية!

الديمقراطية هي أداة تمثيل للمجتمعات المدنية التي تفصل التميز الديني والطائفي والعرقي والمناطقي عن المشهد العام، لأنها تؤسس لدولة مدنية أساسها المساواة تحت سقف المواطنة وأداتها القانون. وفي الأيام الأخيرة شهد العالم حدثين لافتين تحت مظلة الديمقراطية؛ الأول كان الانتخابات البرلمانية في مملكة البحرين، التي واجهت هجمات هستيرية من النظام الطائفي الإيراني عبر أكثر من 40 ألف رسالة موجهة ضد الانتخابات لعموم شعب البحرين، والنتيجة كانت أكبر نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات البحرينية بنسبة تجاوزت 67 في المائة.
الحدث الثاني كان التصديق على خروج بريطانيا من اتفاقية الاتحاد الأوروبي بشكل نهائي، بعد أن وافق عليها مجلس الوزراء البريطاني، وبعد ذلك الاتحاد الأوروبي نفسه لاحقاً. وكل ذلك جاء بعد نتيجة استفتاء شعبي عريض في يونيو (حزيران) عام 2016 على البقاء في الاتحاد الأوروبي أجرته بريطانيا، وكانت المفاجأة الصادمة أن الشعب اختار الخروج، ولبت الحكومة نداء الشعب واحترمت وانصاعت لقراره، وذلك رغم اعتراضات واحتجاجات مجموعات غير بسيطة من الساسة وقطاع الأعمال. ولكنها الديمقراطية في أبهج صورها.
في المشهد البحريني، كان المعترضون خامنئي وحسن روحاني والإرهابي حسن نصر الله وعلي سليماني، وجميعهم يشتركون في خطاب ثوري وطائفي وانفصالي وعنصري بغيض... خطاب رجعي يحرم حقوق المرأة والآخرين المخالفين، ولا ينظر لكل الأطروحات السياسية والملفات المطروحة إلا من خلال منظور طائفي ضيق ومحدود وعصبي. هم تماماً عكس الدولة المدنية وما تنادي به. هم كل ما رفضته الدولة المدنية. هم يريدون استخدام الديمقراطية مطية للوصول إلى غايات «أخرى» باتت مفضوحة. ولاية الفقيه والدولة المدنية بينهما برزخ، لا يجتمعان. الدولة المدنية لها ملامح وشروط، أولها الخلاص من الوصايا باسم الدين والاتجار بالعنصرية والعصبية والتفرقة.
المشهد البريطاني يقدم نموذجاً متقدماً لتكلفة الخيار الديمقراطي وآلام النمو وتكلفة الصوت وكيفية العيش بتبعات نتائج الاختيار الشعبي. هناك عبر ودروس بشتى صورها وأشكالها، ويبقى التحدي الحقيقي هو الفهم العميق لقيمة ومعنى ومغزى الديمقراطية، وغرس رسالتها بعيداً عن الاتجار بها لأغراض بغيضة وطائفية ومذهبية، أياً كانت مرجعيتها وأهدافها، فكلهم حينئذ سواء.
الديمقراطية فكرة قيمة ابتدعها الإنسان، وكُتب لها النجاح، ولكنها اختطفت باسم الدين وتحولت لوسيلة قمع وطغيان.
هنيئاً للبحرين نتائج الانتخابات، وهنيئاً لبريطانيا على احترام القرار الصعب. وتبقى الديمقراطية حلماً ومطلباً ورجاءً، ولكنها من الممكن أن تُشوه إذا ما تم تسميمها بنوايا الشر والدمار والفرقة.