آرون براون
TT

الأزمة الائتمانية وحرائق الغابات

سرد المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية 29 انكماشاً ائتمانياً خلال الأعوام الـ145 الماضية، الأمر الذي يظهر مرة واحدة كل خمس سنوات. ولقد مرّ الآن أكثر من 11 عاماً منذ الانكماش الائتماني الأخير في عام 2007، وهي الفترة الزمنية الأطول مساراً في التاريخ الائتماني المسجل. ولكن الائتمان يشبه الغابات إلى حدٍّ كبير. حيث تنمو الأشجار قبل أن تصبح كبيرة في السن وتنثر الأخشاب الجافة الميتة على سطح الأرض قبل أن تشتعل بعض الشرارات التي لا يمكن التنبؤ بها وتسفر عن اندلاع حريق هائل يدمر الغابة تدميراً. لذلك، وفي حين أنه يصعب كثيراً تخمين متى وأين سوف ينشب الحريق، فإن وضع خريطة لأحوال الغابة من شأنه أن يمنحنا إحساساً معقولاً حول أماكن وقوع الضرر على الأرجح –تماماً كما هو الحال مع الائتمان.
كانت 9 حالات من أصل 29 حالة انكماش ائتماني التي رصدها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، تعاني بالأساس من أزمات مصرفية. و18 حالة تُعزى إلى انهيار سوق الأوراق المالية، و16 حالة تسببت في انكماش التوافر الائتماني، و21 حالة كانت سبباً في العجز النقدي. وهناك حالتان فقط «الكساد العظيم، والأزمة المالية العالمية التي بدأت في عام 2008» صنِّفتا من زاوية الانهيار الخماسي، مما أسفر عن كلٍّ من هذه الأمور السيئة الأربعة المذكورة بالإضافة إلى انهيار سوق العقارات.
ووفق استعراض التزامات المصارف التجارية الأميركية من حيث النسبة المئوية من الأصول. فإن معدلات رؤوس الأموال تبلغ ضعف ما كانت عليه في عام 2008، ولقد تشددت القواعد بدرجة كبيرة على نوعية الأصول ورؤوس الأموال. وهناك تحذيران مهمّان للغاية في هذا السياق. أولاً، أن الرسوم البيانية ذات الصلة تعرض الإجماليات. بعض المصارف يملك الكثير من الأصول، وهناك مصارف أخرى أكثر اهتزازاً. وفي خضمّ الأزمة الائتمانية، من المرجح أن ينهار بعض المصارف، وذلك للإفراط في تعرضها للقطاعات التي تواجه أكثر الأضرار، أو ربما هناك مخاطر خفيّة غير معلنة أو سوء في إدارة المخاطر. ثانياً، إذا كانت الأزمة الائتمانية كبيرة بدرجة كافية، يمكن أن ينهار بسببها العديد من المصارف. لن تخرج المصارف سالمة تماماً من أذى الأزمة المالية المقبلة، ولكن ينبغي للأضرار أن تكون محدودة ما لم يحدث الكثير من الأمور الأخرى أولاً.
لا تعد الصورة وردية بالنسبة إلى الديون غير الرهنية مثل أرصدة بطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وقروض الطلاب، والتي تظهر كنسبة مئوية من الأصول غير المالية للأسر على المستوى الأيسر والأصول المالية للأسر على المستوى الأيمن، إذ تبلغ 4.4% وتواصل الهبوط. ومن سوء الطالع، فإن الأسر التي لا تعاني من الديون غير العقارية هي التي تملك أغلب الأصول المالية. والأسر التي لديها ديون غير الرهون العقارية بأكثر من إجمالي كل الأصول غير المالية وغير السكنية، من الأمور التي تفتقر إلى السوابق التاريخية.
ولا يتوقع المقرضون من المستهلكين بيع ملابسهم أو حواسيبهم (أو ربما سياراتهم) لسداد الديون غير العقارية. ويقلل المستهلكون من الديون في الأوقات السيئة من خلال تأجيل عمليات الشراء، ولكن حتى المزيد من التأجيل لا يؤدي إلى الكثير من التراجع في مستويات الدين. ومع ذلك، فإن ضغوط الديون قد تفضي إلى انخفاض كبير في الإنفاق.
لذلك، فإن الأجزاء الضعيفة من سوق الائتمان في الأزمة المقبلة هي الأسر ذات الديون من دون أصول مالية أو عقارية أو شركات. وهذا محيط هائل من الناس، ومن شأن مشكلاتهم أن تسفر عن هبوط حاد في الإنفاق.
لا أتوقع حدوث أزمة مصرفية، أو انهيار في أسواق الأسهم أو السندات، أو هبوط في أسواق العقارات خلال الأزمة الائتمانية المقبلة، ولا حتى انكماش ائتماني ممتد المفعول. لكن المعاناة سوف تطول الكثير من الأفراد لا محالة، وسوف تتضرر قطاعات أسواق الأسهم التي تعتمد على الإنفاق الاستهلاكي كثيراً. وأتوقع ردود فعل مالية ونقدية قوية استناداً إلى الأوضاع السياسية ونفوذ المجموعة الأكثر تعرضاً للضرر. ومن شأن ذلك أن يخفف من الآلام قليلاً في تلك الأوقات، ولكنه سوف يؤدي إلى تفاقم المشكلات المالية لدى الحكومة وما يوازيه من المخاطر الأخلاقية.
ولا شيء من هذا في حكم اليقين. وعلى وجه الخصوص، إن كانت الأزمة الائتمانية كبيرة بدرجة كافية، فيمكن أن تعصف بكل شيء في طريقها، مثل حريق الغابة الذي ينتشر ليحرق الغابة الصحية اليافعة بالقليل من الخشب الميت المشتعل.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»