كريستوفر بولدينغ
TT

هل توقف الحرب التجارية تقدم الصين؟

أرجع المسؤولون وصول معدلات النمو في الصين لأدنى درجاتها خلال العقد الحالي إلى ما أطلقوا عليه «مناخ التحدي العالمي»، وهو الوصف المهذب لمصطلح الحرب التجارية. قد يكون هذا التبرير منطقياً في ظل وجود منافس شرير، لكن الحقيقة هي أن مسؤولية التباطؤ تتحملها بكين مباشرة بسبب سياساتها والصدوع التي أصابت الاقتصاد. فعلى الرغم من العناوين الرنانة والحيرة، فإن التأثير الكلي للتعريفات التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين يعد ضئيلا. فنمو صادرات الصين لأكبر شركائها التجاريين، يقدر حالياً بنحو 13 في المائة، على وشك الوصول لأعلى معدلاته خلال 10 سنوات وذلك بفضل قوة الولايات المتحدة.
وحتى من دون وجود عوائق تجارية، فمن المرجح أن تنمو صادرات الصين بوتيرة أسرع بكثير. وإذا كسرت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة حاجز 20 في المائة، على سبيل المثال، فسوف يضيف ذلك 22 مليار دولار لإجمالي الناتج القومي البالغ 13 تريليون دولار. ولنحسبها بطريقة أخرى، لنقل مثلاً إن هذه الزيادة ستدفع بالنمو الاسمي لإجمالي الدخل القومي البالغ 9.7 في المائة في الربع الثالث إلى أقل قليلاً من 9.85 في المائة.
وهنا نقول إن أكبر المؤثرات على الاقتصاد الصيني هي القرارات الاقتصادية الصينية مثل تقييد النمو الائتماني والاستثمارات. فعند إعادة انتخاب الرئيس الصيني، شي جينبينغ، رئيساً للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، نمت معدلات التمويل الاجتماعي الإجمالي الجديد بواقع 31 في المائة للسنة كلها، وبعد عام واحد من تنصيبه رئيساً تراجعت تلك النسبة الكبيرة إلى 13 في المائة.
وكانت حكيمة تلك المناورة التي قام بها شي جينبينغ للحد من النمو الائتماني سريعاً قبل إحكامه السيطرة على دورة الرئاسة الثانية، فقد جاءت تأثيراتها الاقتصادية أكبر حجماً من تأثيرات الحرب التجارية. لنفترض أن الصين اختارت أن تقلص التمويل الاجتماعي وتجعله يقف عند حدود 10 في المائة، بدلاً من تقليصها 13 في المائة، لو أن ذلك حدث لكان قد أضاف للنشاط الاقتصادي مبلغ 4.1 تريليون يوان (590 مليار دولار)، أي ما يعادل ثلاثين ضعف ما تسبب به العراك مع واشنطن.
إن تحرك الصين للحد من الاستثمارات، وهي الخطوة الأخرى لتحسين الاقتصاد، من شأنه أيضاً أن يحد من النمو. في عام 2015 بلغت استثمارات الأصول الثابتة 80 في المائة من إجمالي الناتج القومي لكنها أخذت في التراجع بعد ذلك. وبدءاً من سبتمبر (أيلول) الماضي، ارتفع الرقم لكن في ظل وجود قيود، ليصل إلى 5.4 في المائة، أو 55 في المائة من إجمالي الناتج القومي في 12 شهراً.
تراجعت إجراءات الاقتصاد بالنسبة للمستثمرين والمستهلكين والتجارة خلال عام 2018. وإن كان منطق إلقاء اللائمة على الحرب التجارية أمراً قابلاً للنقاش، فستثار المزيد من الأسئلة بشأن تأثير سلوك الصين. فقد ارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الصين، كما هو معهود تاريخياً، وتسبب تراجع اليوان أمام الدولار الأقوى بإخفاء تأثير التعريفات.
لقد اتخذت الصين قراراً سياسياً حكيماً لإيقاف الائتمان الجامح والحد من التوسع المعتمد على الاستثمار، وهو أمر يحسب لصناع القرار. والتباطؤ الاقتصادي الذي انعكس على معاناة الناس في سداد الرهن العقاري وفي تراجع التحويلات العقارية، جميعها تعد تركة للنمو المحمل بالديون الذي ساندته بكين عقب الأزمة المالية العالمية عام 2008.
إن الصين تواجه حالياً تحديات اقتصادية كبيرة، فقد أعلنت عن إنشاء صناديق إنقاذ لأسواق المال، وعن تمويل مشروعات قطاع خاص ومشروعات صغيرة وعن إجراءات لإعادة الاقتصاد إلى مساره. لكن من الخطأ الخلط بين هذه المشكلات والحرب التجارية قصيرة المدى التي سيكون لها تأثير محدود على سياسة البلاد وعلى التحديات الاقتصادية على المدى البعيد.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»