إميل أمين
كاتب مصري
TT

السعودية... طريق الاعتدال والوسطية

مرة جديدة تتضح معالم المملكة العربية السعودية وملامح توجهاتها في السنوات والعقود المقبلة، فقد جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السابعة لمجلس الشورى، التي تضمنت الخطوط الرئيسية لسياسة المملكة الداخلية والخارجية، لتؤكد النهج الذي اختارته، ذلك النهج الذي يعلي من قيم سامية وخلاقة تتصل بالوسطية والتسامح والاعتدال، وتمضي في طريق التصدي والتحدي للتطرف الآثم وللإرهاب الظالم، وكلاهما أضحى من أمراض العصر ومن مصائب كل مصر.
أهمية خطاب الملك سلمان أنه يأتي في ظل أوضاع إقليمية ودولية مضطربة إلى حد غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة، الأمر الذي يجعل حالة عدم الاستقرار هي المؤشر السائد والرائج، مع استحقاقات المشهد من مخاوف في المدى القريب والبعيد.
يأتي الخطاب في ظل رؤية تنموية شاملة للمملكة تسعى إلى تعظيم دور البشر، والاهتمام ببناء الحجر، الأمر الواضح في رؤية 2030 من أجل تحقيق حراك حقيقي ناهض وفاعل يتيح للمملكة أن تتبوأ مكاناً راقياً بين أمم العالم، وما يزخم شعبها وسط شعوب العالم بكل ما هو إيجابي وأخلاقي وإنساني دفعة واحدة.
ملامح الخطاب الذي ألقاه الملك سلمان تؤكد وضوح الهدف داخلياً وخارجياً من كافة الجوانب، الاقتصادية والسياسية، الاجتماعية والأمنية، والهدف في أول الأمر وآخره هو الإنسان السعودي وترقيته وحياته وكذلك الأبناء والأجيال القادمة معاً.
في مقدمة الأولويات التي تبدت في الخطاب الاهتمام بدعم القطاع الخاص وتمكينه كشريك فاعل في التنمية، وهو ما يتسق مع التطورات الاقتصادية الدولية، حيث تتقلص مساحات العمل الحكومي وتفتح الأبواب واسعة للقطاع الخاص لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين، مع بقاء السيادة والريادة للدولة في كل الأحوال.
تطوير القطاعات المختلفة في المملكة يأتي في قلب استراتيجية 2030 التي يقوم عليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفي القلب منها مسألة تطوير القدرات البشرية وإعداد أجيال جديدة تواكب وظائف المستقبل، وهذه مسألة جوهرية سيما أنها تتقاطع وتتشابك مع العملية التعليمية، فقد أضحت أسواق العمل المستقبلية في حاجة إلى عقول رائدة مبتكرة، بأكثر من عوزها للأيادي العاملة غير المدربة، أو خريجين من أصحاب الشهادات الورقية النمطية التي لا مكان لها في سوق أو أسواق العمل الداخلية والخارجية، ولكي تأتي المحصلة النهائية لتسد الفجوات الكبيرة بين الوظائف المتاحة والأيدي والعقول المتوافرة وبما لا يجعل ميزان التوازن يختل بين أي من الجهتين.
لم يكن لخادم الحرمين الشريفين أن ينسى جنود المملكة الذين قدموا أرواحهم فداءً ودفاعاً عن تراب الوطن وعقيدته، وقد وجدت المملكة نفسها مدفوعة قسراً في طريق ربما لم ترغب فيها، لكن إحقاق الحق، ومساندة الشقيق، ونصرة الملهوف وإغاثة المحتاج، كانت ولا تزال تستدعي تصرفات حاسمة وحازمة، ومن هنا جاء التدخل على سبيل المثال في اليمن.
تتبدى الإنسانية في خطاب الملك سلمان لجنوده في التأكيد على بقاء الشهداء في الذاكرة الجمعية للأمة كقناديل مضيئة أفنت نفسها من أجل أن تنير طريق العدالة للآخرين، وكانت الرسالة للأهل والعائلات مطمئنة بأن أحداً لن ينساهم وأنهم سيظلون محل رعاية وعناية دوماً وأبداً.
لم تتخلَ المملكة يوماً عن مسؤولياتها الأدبية والأخلاقية ولا عن دورها الوطني في المنطقة المشتعلة أبداً والملتهبة دوماً، ذلك الشرق الأوسط الهائج المائج الذي يعيش نهاره في قلق وليله في أرق.
القضية المحورية للمنطقة يؤكد دوماً خادم الحرمين الشريفين أنها القضية الفلسطينية، وقد وصفها في خطابه بالأمس بأنها «قضيتنا الأولى»، مجدداً الوعد بأن المملكة ستواصل جهودها حتى يحصل الشعب الفلسطيني على جميع حقوقه المشروعة.
لعبت المملكة في السنوات الماضية دوراً ملحوظاً ومحموداً على الصعيدين العربي والعالمي في إطار مكافحة الإرهاب، والتصدي للإرهابيين فكرياً قبل أن تلجأ إلى الوسائل الأمنية، وأنشأت في هذا الإطار مراكز عدة للمجابهة بطرق علمية تقدمية تضيف إلى الجهود الأمنية الشيء الوفير من الآليات الناجعة لمداواة هذا المرض العضال، وربما كانت طروحات المملكة وشروحاتها من أجل إتاحة عمليات تنموية شاملة في المنطقة، أي زيادة نسب ومعدلات الاستثمار، ومن ثم التشغيل وإشغال الأيدي العاملة من أفضل تلك السبل التي تتجاوز التنظير إلى دائرة العمل الفعلي على الأرض، الذي تصاحبه بالضرورة نتائج ملموسة ومحسوسة.
يجيء خطاب خادم الحرمين الئريفين والأزمة الإيرانية تشتعل، ولعل من استمع إلى تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني الأخيرة التي قال فيها: «بحلول الحادي عشر من فبراير (شباط) القادم سنمرغ أنف أميركا في التراب، ولن نستسلم وسنبيع نفطنا للعالم كله، متحدين العقوبات الأميركية»، يدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن الملك سلمان كان حصيفاً إلى أبعد حد ومد، حين أشار إلى أنه على النظام الإيراني وقف تدخلاته في الدول الأخرى، وكذلك الامتناع عن دعم الإرهاب وإثارة الفوضى والخراب في الكثير من دول المنطقة.
استمع العالم إلى الخطاب، وقد وضع العاهل السعودي الجميع عند ما يتوجب عليهم القيام به، خصوصاً العمل من أجل وضع حد للبرنامج النووي الإيراني، وما يستتبعه من أنشطة تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، والقاصي والداني يعلم تمام العلم الآثار السلبية للأذرع الميليشياوية الإيرانية في الخليج العربي وبقية الشرق الأوسط.
إشكاليات المنطقة الكبرى سيما اليمن وسوريا والعراق كان لها نصيب واضح من توجهات خادم الحرمين الشريفين في خطابه، أما اليمن فقد بدا واضحاً الدعم الشامل والكامل من المملكة للحل السلمي وفقاً لقرار مجلس الأمن 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، ما يعني أن المملكة ليست لديها رغبة في استمرار إراقة الدماء، وأنها ما ذهبت إلى هناك مع قوات التحالف العربي إلا للتصدي للميليشيات الانقلابية.
ويكاد الموقف من سوريا يكون مشابهاً؛ أي التوصل إلى حل سلمي يخرج سوريا والسوريين من أزماتهم، ويطرح الجماعات الإرهابية خارجاً ويتيح عودة للاجئين، ويبعد عنصر التدخل الأجنبي. وبالنسبة إلى العراق فالمملكة ترحب بكل تطورات إيجابية خلاقة تحدث على أرضه في إطار استرداد عافيته.
الخلاصة... المملكة حجر زاوية للاستقرار، تبني شراكات مع الدول الصديقة، من أجل الخير العام والنفع الإنساني، وفي إطار من الاحترام المتبادل والندية الكاملة ضمن سياقات عولمية تبادر فيها برسم صورتها، ولا تقبل أن يقوم الآخر برسمها.