ليونيل لورانت
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

أوروبا... إغراءات لمؤسسات بلا ضمانات

شرعت مدينتا باريس وفرنكفورت وغيرها من المدن الأوروبية إلى فرش البساط الأحمر للترحيب بالممولين الذين سيرحلون عن لندن بعد أن منح الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) الحق للعاصمة البريطانية في الدخول في أعمال تجارية عبر القارة الأوروبية.
للدول المنافسة مؤسسات تبالغ في عرض المودة والترحاب، بل ووعود بإعفاءات ضريبية وإغراءات، لكن على هذه المؤسسات الحذر من السباق المنظم إلى القاع، فالمملكة المتحدة تعلم تكلفة ذلك جيدا. فكلما بدت رايات البنوك العالمية تلوح في الأفق أخذ نفوذها السياسي والاقتصادي في التزايد. فقد جاء تحرير القيود المالية في لندن في عهد مارغريت تاتشر والذي صدق عليه «حزب العمال الجديد» في تسعينات القرن الماضي ليساهم في تضخم الأصول البنكية البريطانية من 55 في المائة من الدخل القومي الإجمالي عام 1980 إلى 450 في المائة عام 2010. وبعد الأزمة المالية عام 2008، اعترف غوردن براون، الذي خلف توني بلير كرئيس للوزراء، بأن البنوك قد نجحت في ممارسة الضغوط لتخفيف القيود المالية، لكن اتضح لاحقاً خطأ تلك الخطط التي كبدت دافعي الضرائب البريطانيين الكثير.
لذلك من المزعج سماع أن ممثلي بنك «يو إس بي غروب إيه جي» السويسري يربطون بين المخاوف القانونية التي تعتري البنوك في فرنسا، حيث تحاكم هناك لتشجيعها العملاء الأثرياء على إخفاء ثرواتهم في الخارج للتهرب من الضرائب، وهي المزاعم التي ينفيها البنك، وبين جاذبية باريس كمركز مالي بعد «بريكست».
في مقابلة شخصية مع صحيفة «لو إيكو» الفرنسية نشرت الأسبوع الماضي، عرض المستشار العام لبنك «يو إس بي جنيرال»، ماركوس ديثليم، وجهة نظره بشأن تبعات «بريكست» قائلاً إن «المزيد من البنوك ستأتي إلى فرنسا، ونتيجة لذلك ستراقب أسواق المال المحاكمة الجارية من كثب. الناس تريد معرفة وجهتهم التالية، يريدون الحقائق والأدلة التي ستعرض على المحكمة الفرنسية. نحن لسنا في الهواء، فالعالم كله سيرى ما سيحدث لبنك يو إس بي».
وكما هو الحالي في صافرات تدريب الكلاب التي يسمعها البشر رغم انخفاض صوتها، سوف تصل أصداء تلك القضية إلى مسامع البشر أيضا. إن لفت الانتباه إلى حجم الغرامة المالية الكبيرة من ضمن الأمور المهمة، حيث تتطلع فرنسا إلى الحصول على غرامة قدرها 1.6 مليار يورو (1.8 مليون دولار) على سبيل التعويض من بنك «يو إس بي»، لكن الجدل بأن المؤسسات المالية ستنتقل إلى أماكن أخرى اعتمادا على ممارسة النظام القضائي لصلاحياته المستقلة يبدو إلى حد كبير أشبه بالتهديد.
إن أي مؤسسة تتصور أن العواصم الأوروبية ستخفف من موقفها إزاء ارتكاب خطايا ومخالفات مالية بهدف جذب الأعمال التجارية في مرحلة ما بعد «بريكست» ستكون واهمة. ففي ألمانيا، كسب التحقيق في عمليات تجارية مثيرة للجدل كلفت دافعي الضرائب أكثر من 10 مليارات يورو زخماً كبيراً، وكانت شركة «بلاك روك إنك» آخر الشركات التي تعرضت للهجوم، بحسب وكالة «بلومبرغ نيوز» الأميركية للأنباء.
المدن الأوروبية على حق في الحذر وفي التعلم من تاريخ لندن. وحتى الجهات التنظيمية في المملكة المتحدة تبدو غير راغبة في التصديق على القوانين التي ستعقب نار «بريكست»، والسبب في هو ذلك أنهم يعلمون أن الوجهة المالية ذات القوانين المدروسة بعناية، ستكون أنجح من غيرها على المدى البعيد بصرف النظر عن التهديدات التي تنطلق من بعض المؤسسات بأنها سترفع عصا الترحال. إن «بريكست» لا يعطي باقي أوروبا تفويضاً مطلقاً بالسباق إلى القاع.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»